للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان شديدًا، وإن من ملكها عند الغضب كان أَحرَى أنّه يتركها عند الكِبرِ والحسد وأخواتهما، على ما نُبيِّنُه إنَّ شاء الله.

حديث مالك (١)؛ عنِ ابنِ شهاب، عنِ ابنِ المسيَّب، عن أبي هريرةَ: أنّ رسولَ

الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: "لَيس الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ. إنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَملِكُ نَفسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ".

الإسناد (٢):

قال الإمام: هذا الحديث صحيح الإسناد (٣)، واختلف على مالك وعَلَى ابن شهاب في إسناده، والصّحيح ما في "الموطّأ".

وتتعلّق بهذا الحديث أَخبارٌ كثيرة، وإن في هذا الحديث مجاهدة النَّفسِ في صَرفِها عن هواها أَشَدُّ محاولةً وأصعب مرامًا، وأفضلُ من مجاهدة العَدُوِّ؛ لأنّ النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - قد جعل للَّذي يملكُ نَفسَهُ عند الغضب من القُوْة والشِّدَّةِ ما ليس للذي يغلبُ النَّاسَ ويصرعُهُم.

وقوله "الصُّرَعَة" يريد: الّذي يصرع النَّاس ويَكثُرُ ذلك منه، كما يقال للرَّجل الكثير النوم: نُوَمَةٌ، وللكثير الحفظ: حُفَظَةٌ بالتّخفيف، وما أشبه ذلك.

الأصول (٤):

اعلم أنّ الغضبَ شعلةُ نارٍ (٥) اقتبست من نار الله المُوقَدَة، إِلَّا أنَّه لا تطَّلِعُ إِلَّا على


(١) في الموطَّأ (٢٦٣٧) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٨٩٢)، وسويد (٦٨٠)، وعبد الرّحمن بن القاسم (١٧)، والقعنبي عند الجوهري (١٣٧)، وروح بن عبادة عند أحمد: ٢/ ٥١٧، وابن مهدي عند أحمد: ٢/ ٢٣٦، وعبد الله بن يوسف التيسي عند البخاريّ (٦١١٤)، وابن أبي أويس عند البخاريّ في الأدب المفرد (١٣١٧)، وعبد الأعلي بن حماد، ويحيى بن يحيى النيسابوري عند مسلم (٢٦٠٩)، وعبد الله بن وهب عند الطّحاوي في شرح مشكل الآثار (١٦٤٣)، ومعن عند ابن عبد البرّ في التمهيد: ٦/ ٣٢٢.
(٢) كلامه في الإسناد والعربيّة مقتبس من الاستذكار: ٢٦/ ١٤٣ - ١٤٤، وانظر التمهيد: ٦/ ٣٢١ - ٣٢٣.
(٣) قوله: "هذا الحديث صحيح الإسناد، من إضافات المؤلِّف على نصّ ابن عبد البرّ.
(٤) كلامه في الأصول مقتبس من إحياء علوم الدِّين للغزالي: ٣/ ١٦٤ - ١٦٦.
(٥) يقول المؤلِّف في العارضة: ٨/ ١٧٧ "يستعار [للغضب] له اسم النّار لما يتعلّق به من الإذاية للمعاني والإفساد فيها، كما تتعلّق النّار في الأجسام".

<<  <  ج: ص:  >  >>