للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثّانية (١):

وقوله (٢): "نَارَ جَهَنَّمَ" فمجازٌ يُعبَّرُ به عن عقاب الفعل، فسُمِّيَ باسم الفعل، فإِنّ شُرْبَ الماء في الإناء المذكور يُوجِبُ النّارَ إنَّ عُوقبَ، فكأنّه صوت الماء صوت النّار، فإن كان معنى "جرجر": صبّ، كما قال بعضهم، فهو مثله، أي: إنّما يصبّ في جوفه النّار، واستشهد أبو عُبَيْد (٣) بقول الشّاعر:

وهوَ إِذَا جَرْجَرَ بعد الهبَّ

جرجرَ في حنجرةٍ كالْجُبِّ

وأكثر ما يُعبَّر عن الصبّ؛ لأنّه هو الّذي سَاغَهُ.

المسألة الثّالثة:

قال أهل الظّاهر ومن تعلَّق بقراءة الحديث من أهل الغباوة والجهل أنّه يجوز الأكل في آنية الفضّة والذّهب؛ لأنّ النّهي إنمّا ورد عن الشّرب (٤)، وهذا لا يصحّ؛ لأنّ النّبي عليه السّلام إذا علّق الحكم على اسم إمّا أنّ يُعلِّقه على اللَّفظ أو على المعنى، فإن عَلَّقَه على اللّفظ اقْتَصَر عليه، وإن كان على المعنى فحيث ما وُجِدَ المعنى تَعَدَّى الحكم إليه. والنّبيُّ عليه السّلام نّهَى عن الشُّربِ في آنية الذّهب والفضة لما فيها من الخُيَلَاء والكِبْرِ والسَّرَفِ، ونحن نجد ذلك المعنى في الأكل. وكذلك لا يجوز التَطَيُّب بهما لما فيهما؛ لأنّ المعنى موجودٌ، ولقد دخلت يومًا إلى طعامِ وليمةٍ فدفعت إلينا آنية


(١) انظرها في العارضة: ٨/ ٦٩.
(٢) أي قوله - صلّى الله عليه وسلم - في الموطَّأ (٢٦٧٦).
(٣) في غريب الحديث: ١/ ٢٥٣.
(٤) الّذي وجدناه في المحلّى لابن حزم: ٧/ ٤٢١ أنّه لا يحل الأكل ولا الشّرب في آنية الذهب والفضّة، إِلَّا أنّه يجوز ذلك إذا كان الإناء مضبّبا بالفضّة أمّا إذا كان مضببا بالذهب أو مزينًا به حرم على الرجال؛ لأنّ فيه استعمال ذهبٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>