للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس هذا بمخالفٍ لشريعتنا؛ فإنّ من النَّاس من يصْلِحُهُ هذا فَيَنْدُبُ إليه، ومنهم من يُصْلِحُه غيرُ هذا فَيَأْخُذُ به، والله أعلم.

تنبيه (١):

قوله: "فإنّكم لن تقوموا بِشُكْرِهِ" يعارض قول رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "إذا قال العبد على طعامه: الحمدُ للهِ، فقد شَكَرَ تلك النِّعمة" (٢) هذا ممّا يعارِض حديث عيسى، وحديث جابر أنّه قال: "أفضلُ الشُّكْرِ الحمدُ للهِ" (٣).

وقوله: "فإنّكُم لن تَقُومُوا بشُكْرِهِ" وكيف يقوم بشكر فرضه؟ فإنّه يقال: إنّه لن يصل إليه حتّى يدور على يد ثلاث مئة وستّين صانعًا، أوّلهم ميكائيل وآخرهم الخبّاز.

وقوله: "لن تَقُوموا بِشُكْرِهِ" كلامٌ صحيحٌ (٤)؛ فإنّ سَدَّ الجُوعِ وسَتْرَ العوْرَةِ على الإطلاقِ والجُملةِ، بأوَّلِ دَرَجَاتِ الحاجةِ نعمةٌ عظيمةٌ، إذا أراد المرْءُ أنّ يعلمَ مِقدَارَها فليَنْظُرْهَا في سِوَاه، ولْيُقَدِّرْهَا في نفسِه، فكيف أنّ يَضُمَّ إلى ذلك الإسرافَ، حتّى تنكَسِرَ الشّهوةُ في لَذَّةِ الطِّعامِ وفي رِيَشَةِ الثِّياب في التمتّع باللّباسِ، فإذا استرسلَ العبدُ على ذلك هَلَكَ ولم يَتَأَتَّ له أملٌ؛ فإنّه أَمَدٌ لا غايةَ له، فلهذا المعنى قيل للنّبىِّ - صلّى الله عليه وسلم -: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} الآية (٥).

الطّريق الثّاني (٦): في الكلام على زهده


(١) الفقرة الأولى من هذا التنبيه مقتبسة من الاستذكار: ٢٦/ ٣٢١.
(٢) لم نجد هذا الحديث بهذا اللّفظ.
(٣) لم نجده بهذا اللّفظ من حديث جابر، والذي وجدناه ما رواه التّرمذيّ في جامعه الكبير (٣٣٨٣) عن جابر قال: سمعتُ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يقول:"أفضلُ الذِّكر لا إله إلَّا الله، وأفضل الدُّعاء الحمد لله" قال التّرمذيّ: "هذا حديث حسنٌ غريب" كما أخرجه ابن ماجه (٣٨٠٠)، وابن حبّان (٨٤٦)، والحاكم: ١/ ٤٩٨.
(٤) انظر الكلام التالي في القبس: ٣/ ١١١٨ - ١١١٩.
(٥) طه: ١٣١.
(٦) هذا الطريق مقتبس من المقدّمات الممهِّدات: ٣/ ٣٩٣ - ٣٩٦ مع تصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>