للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: فقد قال النّبيُّ لأهل القُبور: "السَّلامُ عَلَيكُم دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١) وهذا نصٌّ؟

قلنا: الأوّل أصحّ فَليُعَوَّل عليه (٢).

الثّالثة (٣):

أجمع العلماء على أنّ الابتداء بالسّلام سُنَّةٌ (٤)، وان الرَّدِّ فرضٌ، لقوله: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (٥) ولو كان فرضًا ما سقط عن البعض بردِّ البعض. وقد وهم الطّحاويّ فيما حكاه عن أبي يوسف أنّه كان يُنكر الحديث الّذي رُوِيَ عن النَّبيِّ عليه السّلام أنّه قال: "إذَا رَدَّ السَّلَامَ بعضُ القَوم أَجزَأَ عن جَمَيعِهِمْ" وقال: لا يُجزِئُ إِلَّا أنّ يردّوا جميعًا.

وقال الطّحاويُّ: "ردُّ السّلام من الفُروض المتَعيّنة على كلِّ إنسانٍ بنفسه، لا ينوبُ عنه فيها أحدٌ غيره" (٦) فجعله فرض عين، وهذا ما لم يقله أحدٌ من العلماء، وإنّما قالوا: إنّه من فروضِ الكفايةِ، إذا قام به البعض سقط عن الباقين.

ولأن أيضًا: ليس مع الطّحاوي فيما قال حُجَّةٌ، ولا أثر يحتجُّ به، من مُرْسَلٍ،


(١) أخرجه مسلم (٢٤٩) من حديث أبي هريرة.
(٢) تتمّة الرَّدِّ على هذا الاعتراض كلما في العارضة: ١٠/ ١٦٨ - ١٦٩ "الثّاني: أنّه يحتمل أنّ يكون النّبيُّ -عليه السّلام- عَلِمَ أنّها عندهم تحية الميِّت فكره منه أنّ يقصدها، ففيها تطيَّر من تأويلها ... الثّالثة: أنّه يحتمل أنّ يكون الله أحياهم له حتّى بلغهم كلامه، فسلّم عليهم تسليم أمثالهم".
(٣) هذ المسألة مقتبسة من الاستذكار: ٢٧/ ١٣٥ - ١٣٦، مع بعض الزِّيادات، وانظر التمهيد: ٥/ ٢٨٨ - ٢٩١.
(٤) قال المؤلِّف في أحكام القرآن: ١/ ٤٦٧ "قال علماؤنا: أكثر المسلمين على أنّ السّلام سُنَّةٌ".
(٥) النِّساء: ٨٦، وانظر أحكام القرآن: ١/ ٤٦٤ - ٤٦٨.
(٦) انظر مختصر اختلاف العلماء: ٤/ ٣٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>