للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: وقد رأيتُ لابن فُورَك في "مشكل القرآن" أنّ الرُّوحَ رقيقٌ هوائي من جنسِ الرِّيح مُتَردِّدٌّ في جوانب الإنسان (١).

وقال قوم: إنّ الرُّوح عَرَضٌ، وهو خطأٌ من قائله.

قلنا: وليس الرُّوح بَعَرَضٍ؛ لأنّه هو الّذي يديرُ الجسمَ ويقيمُه، والجسمُ جوهرٌ، والعَرَضُ لا يُديرُ الجوهرَ ولا يُقِيمُه، فالنَّفسُ جوهرٌ على هذا القولِ، ومحالٌ أنّ تديرَ الأعراضُ الجواهرَ؛ لأنّ الجواهرَ هي الّتي تديرُ الأعراضَ، فالنَّفسُ والرُّوحُ إذاَ جوهرٌ وليستَا بعَرَضٍ.

وقال قومٌ: إنّ الرُّوح هو الدَّم، وليس هذا القول بشيءٍ؛ إذ نجد كثيرًا من الحيوان ليس فيه دَمٌ، وهذا القولُ هو قوله مُعْظَمِ الأطبّاءِ.

تنبيه على أصل:

قال: واحتجَّ قومٌ بأن الرُّوحَ غير معلومة، بقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} الآية (٢). فهذا قدِ احتجَّ بأصلٍ؛ لأنّ ما يردُّ من ظواهر القرآن يجب حملُه على ما يوافقُ أدلَّةَ العقولِ.

وقد اختلف النّاسُ في منحى اليهود عن السُّؤال بهذا اللّفظ على خمسة أقوال:

القولُ الأوّل: أنّ الرُّوح هو جبريل -عليه السّلام- (٣)، وهو عدوّ اليهود من الملائكة. فقيل: إنّهم سألوا عن عظيم أَمْرِه، لِمَا ورد فيه من الآثار بأنّ أحد جنَاحَيّه بالمشرق والآخر بالمغرب، فقال الله سبحانه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} الآية، يعني بقوله: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} كبَرَ جَسَدِهِ وعِظَمَ جِسْمِهِ، وَترَدُّدِهِ وصعوله بأمر الله في اليسير من الزّمان. وإذا كان ذلك كذلك، لم يكن في الآية دليل على أنّ الرُّوح غير معلوم.


(١) نحو هذا نسبه أبو القاسم الأنصاري في الغنية في الكلام لوحة ٢١٧/ ب [نسخة أحمد ثالت باستنابول، رقم: ١٩١٦] إلى الأستاذ ابن فُورَك.
(٢) الإسراءِ: ٨٥.
(٣) وهو قول قتادة كما في تفسير الطّبريّ ١٥/ ٧٠ (ط. هجر).

<<  <  ج: ص:  >  >>