للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الرّابع - قال أبو حنيفةَ (١): هي لازمةٌ يَلْزَمُ إزالتها إذا كانت مجتمعةٌ في موضع واحد على قَدْر الدِّرْهَم، وإنّما سمح في هذا المقدار منها قياسًا على المَخْرَجِ، فإنّ الشّرعَ يسمَحُ فيما بقيَ من أثر النّجاسة عليه بعد الاستنجاء، فقاس هذا عليه.

مزيد إيضاح (٢):

قولُه: "وَسُئِلَ عن الاسْتِطَابَةِ" يعني استعمالَ الطِّيب، وهو إزالةُ الأقذار والأنجاس. وقيلَ: هو استعمالُ الماء فإنّه أطيبُ الطِّيبُ؛ لأنّ كلَّ طَيِّبٍ يعودُ قَذَرًا في آخرِ الأمر ويزول بالماء. والماءُ طَيِّبٌ أبدًا لا استحالةَ فيه، وهو من فروض الشريعة ومحاسن المِلَّة، وأوَّلُ كلمة سمِعَها رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - من ربَّه، قال الله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (٣) ولا يُلتفَتُ إلى تأويل فيها لا تعضُدُه لغةٌ، ولا تشهد له شريعةٌ، وبذلك كانت العربُ تمدحُ، ولذلك قال الشّاعر شاعرهم الأوّل (٤):

ثِيَابُ بَنِي عَوْفٍ طَهَاَرى نَقِيَّةٌ ... وأوْجُهُهُمْ عِنْدَ المَشَاهِدِ غُرَّانُ

نكتة لغوية:

تقولُ العربُ: استطاب الرَّجُل وأطاب إذا استنجى بالماء، ويقال: رَجلٌ مُطِيبٌ، إذا فعل ذلك. والاستطابة والاستنجاء والاستجمار أسماء لمعنى واحد (٥). وقد كان رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - يتطيَّب بالماء، وقال: "الاستنجاءُ بالماءِ أمانٌ من الناسور" (٦)، ويُرْوَى بالباء والنّون.


(١) انظر مختصر الطحاوي: ١٨.
(٢) انظره في القبس: ١/ ١٤٩.
(٣) المدثر: ٤.
(٤) المراد هو امرؤ القيس، والبيت في ديوانه: ٨٣.
(٥) انظر التمهيد: ٢٢/ ٣١١، والاستذكار: ١/ ٢٣١ (ط. القاهرة)، وشرح غريب الموطَّأ لابن حبيب: ١/ ١٩٦.
(٦) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>