للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغُسلَ من التقاء الخِتَانَين،*ثم يُفتِي بإيجاب الغُسلِ منه. ولا أعلم أحدًا قال بأنّ الغُسل من إلتقاء الخِتَانين* أنّه منسوخ، بل الجمهورُ قالوا: إنّ الوُضُوءَ منه منسوخٌ بالغُسلِ (١).

فإن قيل (٢): قدِ اختلفتِ الأحاديثُ في ذلك كما تقدَّمَ، وجُهِلَ المتأخِّر فلم يُعلَم النّاسخ من المنسوخ، وبَقِيَ الإشكالُ قائمًا فتعيَّنَ الاحتياطُ.

الجواب عنه من وجهين:

أحدُهما: أنَّا نقول: ما جُهلَ التّاريخ؛ لأنّ الصّحابةَ - رضوانُ الله عليهم- قد صرَّحت بأنّ المتقدِّم كان: "الماء من الماء"، والمتأخِّرَ وجوب الغُسل من إلتقاء الخِتَانَين (٣).

الجواب الثّاني: أنّ المَاءُ مِنَ المَاءِ"، وعدَمَ الغُسل من التقاء الخِتَانَيْن ليس فيه فائدةٌ مُجدَّدَةٌ؛ لأنّ الأصل براءةُ الذمةِ، وفراغ الساحة وعدم تعلق الحكم بالأسباب. ثم جاء بعد ذلك وجوب الغُسل من التقاء الخِتَانَين، فكانت فائدة مجدّدة وحالة ثانية، فقضى بها على ما قبلَها.

تلفيق (٤):

فإن قيل: كيف خَفِيَ على عثمان حتّى كان يُفتِي بأنّ الماءَ من الماءِ بعدَ النّبيِّ صلّى الله عليه؟ الجواب عنه: الآن حَانَ لكم تنزيل الأحكام في الشّريعة، فقد خَفِيَ ذلك على كثيرٍ ممّن يُعدّ من العلماء، وهو أنّ الله تعالى كان إذا أنزل على رسوله الحكم، يُخبِر - صلّى الله عليه وسلم - من حَضَرَهُ، ثمّ يبدأ البلاغ شيئًا بعد شيء، وتتناقله الألسنة وقتًا بعد وقت، نعم، وربّما أرجأَ بيان الحكم إلى حالة الوقوعِ ولم يُسلّمْهُ ابتداءً في النّازلة قبل أنّ تقعَ، وكلُّ من


(١) انظر ناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين: ٣٩ - ٥٠.
(٢) انظر هذا التساؤل والجواب عنه في القبس: ١/ ١٦٩ - ١٧٠.
(٣) أخرجه أحمد: ٥/ ١١٥ - ١١٦، والدارمي (٧٦٥ - ٧٦٦)، وأبو داود (٢١٥)، والترمذي (١١٠ - ١١١) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة (٦٠٩) وابن خزيمة (٢٢٥، ٢٢٦)، وابن حبان (١١٧٣، ١١٧٩) من حديث أبىّ بن كعب.
(٤) انظره في القبس: ١/ ١٧٠ - ١٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>