للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتجّ الّذين قالوا إنّه طاهر بآثارٍ مخالفةٍ لهذا الحديث.

قولُها: كُنتُ أَفرُكُ المنِيَّ من ثوب رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- الّذي يصلِّي فيه (١).

قال الإمام (٢): وليس هذا ممّا يدلُّ على طهارته كما زعموا، فقد يجوز أنّ يفعل

ذلك النّبيّ يطهر بذلك الثّوب، والمنِيُّ في نفسه نَجسٌ.

وقال ابنُ القصار (٣): وأمّا دليلُ القياس، فقد اتّفقنا على نجاسة المذي، فكذلك المني، فَعِلَّتُه أنّه خارج من مَخرَجِ البَول (٤).

فإن قيل: هو طاهرٌ؛ لأنّه خَلَقَ منه الأنبياء عليهم السّلام، فلا يجوز أنْ يكون نَجِسًا. الجواب عنه - قلنا: وكذلك أيضًا خَلَقَ منه الطُّغَاةَ والفراعنة، فوجب أنْ يكون نجِسًا. فإن قيل: اللهُ خَلَقَ آدم من ماء وطينٍ، وهما طاهران، ويكون متولّدًا عن نجسٍ، كاللّبن فإنّه متولِّدٌ عن الدَّمِ، فالماءُ والطِّينُ طاهران.

قيل: هذا لا يلزم؛ لأنّه لا يشارِكُه أحدٌ في ابتداء خَلقِه، لم تجب مساواته فيما ذكرتم؛ لأنّ آدم لم ينقل من رَحِمٍ فيكون نُطفَة ثم عَلَقَة، والعَلَقَة دَمٌ حكم لها بالنّجاسة إذا انفَصَلَت.

تنبيه على مقصدٍ (٥):

قال الإمام الحافظ: وقد وجدنا الخارجات من البدَنِ على ضربين:

١ - ضَربٌ مائعٌ طاهرٌ، ليس خروجه لحَدَثٍ، ولا ينقضُ الوضوء، كاللبن، والعَرَقِ والدُّموع، والبُزَاقِ، والمُخَاطِ.


(١) أخرجه البخاريّ (٢٢٩، ٢٣٠)، ومسلم (٢٨٨).
(٢) في شرح ابن بطّال هو من قول الطحاوي.
(٣) في عيون الأدلّة في مسائل الخلاف: لوحة ٩٣/ ب، السَّطر ٢٥.
(٤) الّذي في عيون الأدلة: " ... بعلَّة أنّه مائع خارج من مجرى الحدث يتولّد عن الشهوة".
(٥) هذا التنبيه مقتبسٌ من شرح البخاريّ لابن بطّال: ١/ ٣٤٤ الّذي اقتبسه بدوره من عيون الأدلة لابن القصار: لوحة ٩٣/ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>