للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو داود (١)، عن الأعمش، عن رجل، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. فمَنْ وثَّقَ الأَعمش صحّح الحديث، وما كان الأعمش ليستجيز الكذب على رسول الله، ولا على عائشة، والحقّ تصحيحُه.

أصوله وعربيته (٢):

اختلف العلماء في معناه، فقيل معنى قوله: "الإمامُ ضَامِنٌ" أي: راعِ، والضّمانُ في اللّغة: الرِّعاية، وهذا (٣) ضَعِيفٌ؛ لأنّ الضَّمان في اللّغة إنّما يكون بمعنى الرِّعاية، أو بمعنى الحِفْظ (٤)؛ وأمّا موقعه في الشّرع واللّغة، فهو الالتزام (٥). ويأتي أيضًا بمعنى الوِعاء؛ لأنّ كلّ شيءٍ جعلته في شيءٍ فقد ضمّنته إيّاه. فإذا عرف معنى الضّمان، فإنّ ضمان الإمام لصلاة المأموم هو التزام شروطها، وحفظ صلاته في نفسها؛ لأنّ صلاة المأموم تنبني على صلاة الإمام، فإن أَفْسَدَ صلاته فسدت صلاة من ائتمَّ (٦) به، فكان غارمًا لها.

فإن قلنا: إنّه بمعنى الوِعَاء، فقد دخلت صلاة المأموم في صلاة الإمام، لِتَحَمُّلِ القراءة عنه والقيام، إلى حُسْنِ (٧) الرّكوع والسّجود والسّهو، ولذلك لم تجز صلاة المتنفَّل خلف المفترض؛ لأنّ ضمان الواجب بما ليس بواجب محالٌ. وهذه فائدة.

قولُه (٨): "اللهم أَرْشِدِ الايِمَّةَ واغفِرْ للمُؤَذِّنِينَ" فإنهّم إذا (٩) رَشِدُوا بإجراء الأمور على وجوهها، صحّت عبادتهم في نفسها. "واغْفِرْ للمؤَذِّنين" يعني: ما قَصَّرُوا فيه من مُراعاة الوقتِ بتقدُّمٍ عليه أو يَأَخُرٍ عنه.

وقد كنتُ أمليتُ في معنى هذا الحديث وتحقيقه "جزءًا" رأيت أنّ أذكر لكم منه أُنْمُوذَجًا تعتمدون عليه، وهو أنّ تعلموا أنّ النَّاس اختلفوا في معنى الضّمان شرعًا:


(١) الحديث (٥١٨).
(٢) انظرهما في العارضة: ٢/ ٩ - ١٠.
(٣) في النسخ: "والاول" والمثبت من العارضة.
(٤) غ، جـ: "الحفظة".
(٥) م، غ:"الالزام".
(٦) في العارضة: "من يأتم".
(٧) في العارضة: "حين".
(٨) أي في حديث الترمذي السابق.
(٩) "إذا" زيادة من العارضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>