للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لفاتحة الكتاب؛ لأنّ الذّاتيّة في الكُلِّ واحدةٌ وهي كلامُ الله (١).

الوجه الثّاني: أنّ الشيءَ قد يشرُفُ بصفاته، وذلك للبارىء على الحقيقة (٢) والإطلاق دون سائر المخلوقات: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (٣) وفي الفاتحة شيءٌ من هذا الشَّرَفِ، وبه شرف النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - على سائر الآدميِّينَ؛ لأنّ الذَّاتَ له ولهم واحدةٌ، وإنمّا يشرفُ بالصّفات وهي متعدّدةٌ وقعتِ الإشارةُ إلى فَضْلِهَا في قوله: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} الآية (٤)، ووقعَ التّنبيه على جميعها في قوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (٥).

وفي الفاتحة من الصّفات ما ليس لغيرها، حتّى قيل: إنّ جميع القرآن فيها، وهي خمسة وعشرون (٦) كلمة تضمَّنَت جميع علوم القرآن، ومن شَرَفِهَا أنّ الله تعالى قسمها بَينَهُ وبين عَبْدِهِ، وهو الوجه الثّالث.

الوجه الرّابع: أنّه لا تَصِحُّ القراءة (٧) إلَّا بها.

الخامس: أنّه لا يلحق ثوابُ عملِ بثوابها (٨)، والله عَزَّ وَجَلَّ يفاضلُ بين الثّواب في الفِعْلَينِ وإن اسْتَوَيَا.

وبهذه المعاني كلّها صارت القرآنَ العظيم، كما صارت {قُلْ هوَ اَلله أحدٌ} تعدل ثُلُث القرآن (٩)، إذِ القرآنُ توحيدٌ وأحكامٌ وَوَعْظٌ و {قُلْ هوَ اَلله أحدٌ} (١٠) فيها التوحيد كلّه. وبهذه المعاني وقع البيان في قوله - صلّى الله عليه وسلم - لأبَّىِّ بن كعبٍ: " أيُّ آيةِ في القرآنِ


(١) م: "في كلّ واحد في كلام الله"، غ: "في كلّ واحدةٍ وهي كلام الله"، جـ: (في كلّ واحد وهي كلام الله" والمثبت من القبس.
(٢) م، جـ: "الخليقة".
(٣) الشورى: ١١.
(٤) الكهف: ١١٠.
(٥) القلم:٤.
(٦) غ، جـ، القبس: "وهي عشرون" والمثبت من "م" وهو الموافق لأبي عمرو الداني في كتابه البيان في
عدِّ آي القرآن: ١٣٩، يقول رحمه الله: "وكَلِمُهَا خمس وعشرون كلمة ... وحروفها مئة وعشرون حرفًا".
(٧) في النسخ: "القُرْبة" والمثبت من القبس، ومعرفة قانون التّأويل: لوحة ١٨/ أنسخة الأوسكريال.
(٨) م، جـ: "أنّه لا يلحق عمل ثوابها" وفي القبس:"أنّه لا يلحق ثواب عملها بثوابها". والمثبت من القبس [ط. الأزهري].
(٩) كما ثبت في الحديث الّذي رواه البخاريّ (٥٠١٣)، ومسلم (٨١١، ٨١٢) عن أبي الدرداء وأبي هريرة.
(١٠) الإخلاص: ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>