للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنّ الكَلامَ لَفِي الفُؤَادِ وإنَّمَا ... جُعِلَ الكَلاَمُ عَلَى اللِّسانِ (١) دَلِيلًا

وسيأتي الكلام على هذا في الباب الّذي يليه إنّ شاء.

حديث: "قَسَمتُ الصّلاة".

قال الإمام: الّذي يتعلَّقُ بهذا الحديث من العِلْمِ طريق الأصولِ في ثلاث مسائل:

المسألة الأولى:

قوله: "يَقُولُ اللهُ: قَسَمْتُ الصّلاةَ بَيْنِي وبَيْنَ عَبْدِي" الحديث. قال علماؤنا: لا ترجعُ هذه القسمة إلى الحروف ولا إلى الآيات، وإنّما ترجعُ إلى المعاني، والدّليل على ذلك أنّه إذا قال العبدُ: الحمدُ للهِ، قال اللهُ: حَمِدَني عَبْدِي. وإذا قال: كذا، قال الله مثل ذلك، فقابَلَ اللّفظَ بما يَنُوبُهُ (٢)، الحمدُ بالحَمْدِ؛ لأنّه أراد المعاني.

تنبيه:

فإن قال قائل: كيف جازتِ القِسْمَةُ في هذه الآية وهي مُشْتَرَكَة؟

فالجواب: أنّها وإن كانت مشتركَة في (٣) اللَّفظ، فهي منقسمةٌ في المعنى؛ لأنّ صُنْعَ عبادة العبد لربِّه لا يشارِكُه فيها الرَّبّ، كما أنّ الاستعانة (٤) باللهِ لا يشارِكُ فيها العبد، فإنّما أراد بالقِسْمَةِ عدد الآي خاصّة دون عَدَدِ الحروف والألفاظ، ومن ذلك قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (٥) ثم إنه قسم الصّلاة بينه وبين عبده بنِصْفَيْنِ، ثم عدّ آي القرآن فسمّاها صلاة؛ لأنّ الصّلاة الدُّعاء كما بينّاه. فالصّلاةُ لا تتمُّ إلَّا بالحَمْدِ والدُّعاء كما قال - صلّى الله عليه وسلم -: "الحجّ عرفة" (٦) لمّا كان الحجّ لا يتمُّ إلَّا بعَرَفَة, فصحّ المعنى فيها، والله أعلم.


(١) م: "الفواد".
(٢) م: "بما بين به"، جـ: "ينويه".
(٣) جـ: "أي في".
(٤) جـ: "الاستغاثة".
(٥) الفاتحة: ٥.
(٦) أخرجه أحمد: ٤/ ٣٠٩، وعبد بن حميد (٣١٠)، والذارمي (١٨٩٤)، وأبو داود (١٩٤٩)، وابن ماجة (٣٠١٥)، والترمذي (٨٨٩)، والنسائي في الكبرى (٤٠١١)، وابن خزيمة (٢٨٢٢)، وابن حبّان (٣٨٩٢) من حديث عبد الرحمن بن يَعْمُر.

<<  <  ج: ص:  >  >>