للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا أضافَ الشيءَ إليه أو رَبَطَهُ به على طريق الاختصاص، كان ذلك تشريفًا على سِوَاهُ، كما قال: {قُلْ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ} (١) يعني ملكًا. وقال: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} (٢) يعني بهذه الإضافة تشريفًا. ثم قال أيضًا: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} (٣) فزاد اختصاصًا.

وأمّا قولُه: "الصَّلَوَاتُ للهِ" فهو بَيِّنٌ؛ لأنّ العبادات كلّها إنّما تقع بالنِّية والقُرْبَة، والمعاصي من الله بالتَّقديرِ والحِكمَة، حتّى إنّ قول الكافر في الله سبحانه: ثالث ثلاثة، تسبيحٌ لله وتقديسٌ له (٤)، على الوجه الّذي شاء في قوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} (٥).

فقوله: "التَّحِيَّاتُ للهِ" لا يعني السّلام كما قدّمنَاهُ. وقوله: "الزَّاكِيَات" هي الأعمال النامية. وقولُه: "الصَّلَوَات" لا يعني العبادات الّتي هي من جملة العبادات الزّاكيات.

تنبيهٌ على وهمٍ عظيمٍ (٦):

قال الإمام الحافظ: ثبتتِ الرِّوايةُ عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - في التَّشَهُّد كما قدَّمناهُ، واستقرَّتْ ألفاظُ التَّشَهُّد عند جميع الأُمَّة، إلى أنّ جاء فيه أبو محمّد ابن أبي زيد بوَهْمٍ قبيحٍ، فقال (٧) في ذِكرِ التَّشَهُّد: وأن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، أَرسَلَهُ بالهُدَى ودِينِ الحقِّ، ليُظهِرَهُ على الدِّين كلِّه، إلى قوله: وإنّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ في القُبُورِ.

وإنّما أَوْقَعَهُ في ذلك؛ أنّه رَأَى الأثر في تَشَهُّدِ الوصيّة بهذه الصّفة (٨)، فرأى من قِبَلِ نفْسِهِ أنّ يلحقه بتشهُّدِ الصّلاة، وهذا لا يحلّ؛ لأنّ النّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - إذا علَّمَ شيئًا وَجَبَ الوقوف عند تَعْلِيمِهِ، وإذا بّيَّنَ ذِكْرَيْن في قصَّتين (٩)، لم يجز أنّ يبدلا فيُوضَع أحدهما


(١) الأعراف: ١٢٨.
(٢) الجنّ: ١٨.
(٣) الحج: ٢٦.
(٤) هذا القول باطلٌ، والحق ما قاله المؤلِّف في أحكام القرآن: ٣/ ١٢١٦ "وأكملُ التّسبيح تسبح الملائكة والآدميِّبن والجنّ؛ فإنّه تسبيح مقطوع بأنّه كلام معقول، مفهوم للجميع بعبارة مخلصة وطاعة مسلّمة، وأجلُّها ما اقترن بالقول فيها فعل من ركوع أو سجود أو مجموعها، وهي صلاة الآدميِّين، وذلك غاية التسبيح".
(٥) الإسراءِ: ٤٤.
(٦) انظر الفقرة الأولى والتي بعدها من هذا التنبيه في القبس: ١/ ٢٤١ - ٢٤٢.
(٧) في الرسالة: ١٢١.
(٨) انظر إكمال المعلم: ٢/ ٣٠٤، وفتح الباري: ١١/ ١٥٩.
(٩) جـ: "قضيتين".

<<  <  ج: ص:  >  >>