للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موْضِع الآخر، ولا أنّ يجمع بينهُمَا، فإن ذلك تبديلٌ للشريعة، واستقصارٌ لما كَمَّلَهُ النَّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - في التَّعليمِ، هذا عهد نبيِّنا - صلّى الله عليه وسلم - إلينا وعَهْدُنا إليكم.

وقوله (١): "السَّلاَمُ عليك أيّها النّبيُّ ورحمةُ الله وبركاته" النَبيُّ مشتقٌ من الإنباءُ وهو الإخبار، ومعنى نبىء أي مُنبأ، فعيل بمعنى مفعول. ويجوز نبي ونَبِيٌّ بالتّشديد، وهي لغة قريش تسهيل الهمزة (٢)، ألَّا ترى قوله للرّجل الّذي قال له: "يا (٣) نَبِىءَ الله لَسْتُ بِنَبِيءِ الله، وإنّما نبيُّ الله" (٤)، فأنكر عليه الهمز وكان يَكْرَهُ التَقَعُّرَ.

ومعنى قوله: "أشهدُ أنّ لا إلهَ إلَّا اللهُ" أي أعلم علم المشاهدة. ومعنى هذا: أي (٥) لو شاهدتُ الله تعالى لَمَا علمتُ أكثرَ من هذا؛ لأنّي أشهدُ أنّ لا إله إلا اللهُ، ومعناه: أشهدُ إنّ شاء الله؛ لأنّه لا شَكَّ أنّ ليس معه من اليقين ما مع أبي بَكرِ وعُمَرَ، فكان أبو بكرٍ يقول: أشهدُ حقًّا أنك حقٌ، بذلك أشهدُ. فكان هذا الرَّجُل إنّ عرف عِلْمًا يقينًا، كان قولُه مثل قول أبي بكر، وإن كان غير ذلك، يقول: أشهدُ إنّ شاءَ الله، وهو حَسَنٌ.

نكتةٌ أصولية:

والناس في معرفة الله البارئ تعالى على ضربين: منهم من يعرفه بالاستدلال. ومنهم من يعرفه بغير استدلالٍ. وقد ذكر اللهُ ذلك في كتابه فقال فيمن يستدلُّ بمخلوقاته: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ} الآية (٦). وقال فيمن يعرفه بغير استدلالٍ: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (٧).

فقالت طائفة: لا تصحُّ معرفة البارئ لبَشَرٍ على التَّحقيقِ، وإنّما يَعْرِفُ اللهَ اللهُ،


(١) في حديث الموطَّأ (٢٤٠) رواية يحيى.
(٢) انظر الزّاهر في معاني كلمات النّاس لابن الأنباري: ٢/ ١١٩، وشرح مشكلات موطَّأ مالكٌ: ٧٨،
ومشارق الأنوار: ٢/ ٢، والنهاية في غريب الحديث: ٥/ ٣.
(٣) "الّذي قال له: يا" زيادة منّا يلتئم بها الكلام.
(٤) أخرجه الحاكم في المستدرك: ٢/ ٢٥١ (ط. عطا) من حديث أبي ذر. قال الحاكم: "هذا حديث صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه".
(٥) جـ: "أني".
(٦) فصلت: ٥٣.
(٧) فصلت: ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>