للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجواب عنه من ثلاثة أوجه (١):

الأوّل: اتِّفاقُ الأُمَّة على أن العُذْرَ مُسْقِطٌ للجماعة، نعم ولأصلِ الصّلاة (٢). وكان النّبىَّ - صلى الله عليه وسلم - يرى ما ذَكِرَ من ضَرَرِ البصر ليس بعُذرٍ، لانّه كان يتَصرَّف في حوائج نفسه، فعبادةُ رَبِّه أَوْلَى.

الثاني: أنه زمانُ نفاقٍ، فَكَرِهَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له، ولو رخّص له لتَسَبَّبَ المنافقون بذلك بالأعذار الكاذبة، فكان ذلك منه تَشَدّد أو سَدّ (٣) ذَريعةٍ، لِئَلّا تبطل صلاة الجماعة.

الثّالث: قال علماؤنا: إنّ هذا السُّؤال إنّما كان في صلاة الجمعة، وهي فريضةٌ على الأعيان، وليست فريضة عامّة، ويعضدها قوله: "ما منكم مِنْ أحَدٍ إلاّ وله مسجدٌ في بَيتِهِ، ولو صَلَّيتُم في بُيُوتكُم لتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكْمْ، ولو تَرَكْتُم سُنَّةَ نبيكُم لَكَفَرْتُمْ" (٤) فليس بمثل هذا الدليل يثبتُ فرض الإِسلام؛ لأنّ المنافقين كانوا في ذلك الزّمان يتكاسلون، فلو رخّص لأحدٍ في ذلك لبَطَلَتْ صلاة الجماعة، كما تقدَّم بيانُه، وامتزجَ المنافقُ مع الموحَّدِ المُخلِصِ فحسم الباب.

القول الثاني (٥) - قيل: إنها سُنّة، لقوله: "تَرَكتُنم سُنَّةَ نَبِيكُمْ". وقد قال بعض المتاخِّرين: إنَّ صلاةَ الجماعة ليست بفَرْضٍ ولا سُنَّةٍ، وإنّما هي فضيلةٌ لا غير، فإنْ فَعَلَها الفذُّ أجزأته صلاته؛ لأنّه قد أدّى الفَرْضَ الواجبَ عليه، وهو القول الثّالث.

والصّحيحُ عندي أنَّها سُنَّة مؤكَّدة؛ لأن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - دَاوَمَ على الصّلاة في الجماعة، والسُّنَنُ هي ما دَاوَمَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِعْلِها، أو ندب إليها وجعل في فعلها الثّواب.


(١) انظرها في القبس: ١/ ٣٠٥.
(٢) زاد في القبس: "ما عدا الإيماء".
(٣) م: "تشددًا وهو".
(٤) أخرجه الطياليسي (٣١٣)، وأحمد: ١/ ٤٥٥، وأبو داود (٥٥٠)، والنّسائي في الكبرى (٩٢٢)، وابن عبد البر في التمهيد: ١٨/ ٣٣٥ من حديث عبد الله بن مسعود.
(٥) لعل الصواب: "القول الثّالث".

<<  <  ج: ص:  >  >>