وإلا فإن لم تكن رواية ابن الجعد هذه شاذة فليس في الدنيا ما يمكن الحكم عليه بالشذوذ، ولذلك لم يعرج على هذه الرواية كل من ترجم للحارث هذا.
فثبت مما تقدم أن الحارث بن عَمرو هو من صغار التابعين، وليس من كبارهم، وقد صرح بسماعه من جابر بن سمرة في رواية الطيالسي في "مسنده"(٢١٦) عن شعبة عنه.
والآخر: هب أنه من كبار التابعين، فلذلك لا ينفي عنه جهالة العين فضلًا عن جهالة الوصف عند أحد من أئمة الجرح والتعديل, بل إن سيرتهم في ترجمتهم للرواة يؤيد ما ذكرنا، فهذا مثلًا:
"حريث بن ظهير" من الطبقة الثانية عند الحافظ، وهي من طبقة كبار التابعين، فإنه مع ذلك أطلق عليه الحافظ بأنه مجهول. وسبقه إلى ذلك الإِمام الذهبي فقال: لا يعرف.
ومثله "حصين بن نمير" الكندي الحمصي، قال الحافظ:"يروي عن بلال، مجهول من الثانية".
ونحوه:"خالد بن وهبان" ابن خالة أبي ذر. قال الحافظ:"مجهول من الثالثة".
٣ - قوله:"ولم ينقل أهل الشأن جرحًا مفسرًا في حقه".
قلتُ: لا ضرورة إلى هذا الجرح, لأنه ليس بمثله فقط يثبت الجرح، بل يكفي أن يكون جرحًا غير مفسر إذا كان صادرًا من إمام ذي معرفة بنقد الرواة ولم يكن هناك توثيق معتبر معارض له، كما هو مقرر في علم المصطلح، فمثل هذا الجرح مقبول، لا يجوز رفضه، ومن هذا القبيل وصفه بالجهالة لأن الجهالة علة في الحديث تستلزم ضعفه، وقد عرفت أنه مجهول عند جمع من الأئمة النقاد ومنهم الإِمام البخاري. فأغنى ذلك عن الجرح المفسر. وثبت ضعف الحديث.