للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرونه عليه الصلاة والسلام كما يفعله كثير من الناس، بل قال أنس بن مالك {لم يكن شخص أحب إليهم من النبي، - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهته لذلك} ولكن ربما قاموا للقادم من مغيبة تلقياً له كما روي عن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، أنه قام لعكرمة، وقال للأنصار لما قدم سعد بن معاذ قوموا على سيدكم، وكان قد قدم ليحيك في بني قريظة لأنهم نزلوا على حكمه.

والذي ينبغي للناس أن يعتادوا اتباع السلف على ما كانوا عليه على عهد رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فإنهم خير القرون، وخير الكلام كلام الله وخير الهدى هدى محمد، - صلى الله عليه وسلم -، فلا يعدل شأحد عن هدي خير الورى وهدي خير القرون إلى ما هو دونه. وينبغي للمطاع أن لا يقر ذلك مع أصحابه بحيث إذا رأوه لم يقوموا له إلا في اللقاء المعتاد.

وأما القيام لمن يقدم من سفر ونحو ذلك تلقياً له فحسن، وإذا كان من عادة الناس إكرام الجائي بالقيام ولو ترك لاعتقد أن ذلك لترك حقه أو قصد خفضه ولم يعلم العادة الموافقة للسنة فالأصلح أن يقام له لأن ذلك أصلح لذات البين وإزالة التباغض والشحناء، وأما من عرف عادة القوم الموافقة للسنة فليس في ترك ذلك إيذاء له، وليس هذا القيام المذكور في قوله، - صلى الله عليه وسلم -، " من سره أن يتمثل له الرجال قياماً ليتبوأ مقعده من النار " فإن ذلك أن يقوموا له وهو قاعد ليس هو أن يقوموا لمجيئة إذا جاء، ولهذا فرقوا بين أن يقال قمت إليه وقمت له، والقائم للقادم ساواه في القيام بخلاف القائم للقاعد، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، لما صلى بهم قاعداً من مرضه وصلوا قياما أمرهم بالقعود وقال " لا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضها بعضاً " وقد نهاهم عن القيام في الصلاة وهو قاعد لئلا يتشبه بالأعاجم الذين يقومون لعظمائهم وهم قعود، وجماع ذلك كله الذي يصلح اتباع عادات السلف وأخلاقهم والاجتهاد عليه بحسب الإمكان. فمن لم يعتقد ذلك ولم يعرف أنه العادة، وكان في ترك معاملته بما اعتاد من الناس من الاحترام مفسدة راجحة فإنه يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، كما يجب فعل أعظم الصلاحين بتقويت أدناهما ". انتهى كلام شيخ الإسلام، ومما يزيد ما ذكره أيضاحاً ما ثبت في

<<  <  ج: ص:  >  >>