وأخذ ما ثبت عنه والعمل به، فالسنة الثابة عنه صلى الله عليه وسلم حجة تثبت بها الأحكام عقيدة وعملا، كما أن آيات القران حجة تثبت بها الأحكام صراحة واستنباطا على مقتضى قواعد اللغة العربية، وطريقه العرب في فهمهم للغتهم.
ثانيا عذاب الكافرين في قبورهم ممكن عقلا، وقد دلَّ القرآن الكريم على وقوعه، من ذلك قوله تعالى {وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ. النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}(سورة غافر، الآيتان ٤٥، ٤٦) فهذا بيّن واضح في إثبات العذاب في القبر بالنار لأنه لا غدو ولا عشى يوم القيامة، ولقوله في ختام الآية {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} فإنه يدل على عذاب أدنى قبل قيام الساعة وهو عرضهم على النار وما هو إلا عذاب القبر. وفرعون وآله ومن سواهم من الكافرين سواء في حكم الله وعدله في الجزاء، ومن ذلك أيضا قوله تعالى {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ. يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ. وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}(سورة الطور الآيات ٤٥، ٤٧) فإنه يدل على تعذيب الكافرين عذابًا أدنى قبل قيام الساعة، وهو عام لما يصيبهم الله تعالى به في الدنيا وما يعذبهم به في قبورهم قبل أن يعثوا منها إى العذاب الأكبر. وثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ في صلاته من عذاب القبر، ويأمر أصحابه بذلك، وثبت أنه بعد أن صلى صلاه كسوف الشمس وخطب الناس، أمرهم أن يستعيذوا بالله من عذاب القبر، واستعاذ بالله من عذاب القبر ثلاث مرات في بقيع الغرقد، حينما كان يُلْحَد لميت من أصحابه ولو لم يكن عذاب القبر ثابتًا لم يستعذ بالله مه ولا أمر أصحابه به.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ قوله تعالى {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} . (سورة إبراهيم، الآية ٤٧) . يدخل فيه تثبيت المؤمن وخذلان الكافر عند سؤال كل منهما في قبره، وأن المؤمن يوفق في الإجابة وينعم في قبره، وأن الكافر يخذل ويتردد في الإجابة ويعذب في قبره. وسيجيء ذلك في حديث البراء بن عازب رضى الله عنه قريبا؛ ومن أدلة عذاب القبر أيضا ما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضى الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، فدعا بجريدة رطبة فشقها نصفين وغرز على كل قبر واحدة، وقال لعله يخفف عنهما ما لم يبسا "