للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ، وَلِلْأَوَّلِ أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّ الْإِطْلَاقَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَيْهَا إذَا لَمْ تَصْلُحْ لِمُبَاحٍ دُونَ مَا إذَا صَلُحَتْ لَهُ لِمُشَارَكَتِهَا الْمُبَاحَ حِينَئِذٍ (أَوْ لَا) تَصْلُحُ لِمُبَاحٍ (حُمِلَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى أَعْوَادِ اللَّهْوِ (وَبَطَلَتْ) أَيْ الْوَصِيَّةُ إذْ لَا يُقْصَدُ الِانْتِفَاعُ بِهَا شَرْعًا، وَفَارَقَ عَدَمَ بُطْلَانِهَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الطُّبُولِ بِأَنَّ مُطْلَقَ الْعُودِ يَنْصَرِفُ إلَى عُودِ اللَّهْوِ، وَاسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِهِ مَرْجُوحٌ، وَالطَّبْلُ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ وُقُوعًا وَاحِدًا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ ظُهُورَ اسْمِ الْعُودِ فِي عُودِ اللَّهْوِ وَيَقُولَ: بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْوَادِ، ذَكَرَهُ الْأَصْلُ (وَكَذَا لَوْ أَوْصَى) لَهُ (بِعُودِ وَلَا عُودَ لَهُ اُشْتُرِيَ لَهُ عُودُ لَهْوٍ يَصْلُحُ لِمُبَاحٍ وَأُعْطِيَهُ) عِبَارَةُ الْأَصْل: وَلَوْ أَوْصَى بِعُودٍ وَلَا عُودَ لَهُ فَمُقْتَضَى تَنْزِيلِ مُطْلَقِ الْعُودِ عَلَى عُودِ اللَّهْوِ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ، أَوْ أَنْ يُشْتَرَى لَهُ عُودُ لَهْوٍ يَصْلُحُ لِمُبَاحٍ، وَأَطْلَقَ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَشْتَرِي مَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِي مَالِهِ أَمْكَنَ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ بِالْعُودِ بِهِ. انْتَهَى.

فَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُضِفْ الْعُودَ إلَى عِيدَانِهِ كَانَ إلَى الصِّحَّةِ أَقْرَبَ، وَإِذَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِالْعُودِ أُعْطِيَهُ (دُونَ الْوَتَرِ وَالْمِضْرَابِ) وَهُوَ مَا يُضْرَبُ بِهِ الْعُودُ وَتَوَابِعُهُمَا كَالْمَلَاوِي الَّتِي يُلْوَى عَلَيْهَا الْأَوْتَارُ وَالْحِمَارُ وَهُوَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يُرَكَّبُ عَلَيْهَا الْأَوْتَارُ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى عُودًا بِدُونِهَا، قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلَوْ أَوْصَى بِعُودٍ مِنْ عِيدَانِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا عُودُ لَهْوٍ وَعُودُ بِنَاءٍ وَعُودُ قِسِيٍّ فَإِنْ حَمَلْنَا لَفْظَ الْعِيدَانِ عَلَى هَذِهِ الْآحَادِ فَقَدْ حَمَلْنَا الْمُشْتَرَكَ عَلَى مَعَانِيهِ مَعًا وَفِيهِ خِلَافٌ لِأَهْلِ الْأُصُولِ، فَإِنْ مُنِعَ فَهَذِهِ الصُّورَةُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِعُودٍ مِنْ عِيدَانِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا عُودَ لَهْوٍ أَوْ لَا عُودَ لَهُ زَادَ النَّوَوِيُّ: قُلْتُ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَمْلُ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعَانِيهِ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ. انْتَهَى.

لَكِنَّهُ خَالَفَهُ فِي بَابِ الْعِتْقِ فِيمَا لَوْ قَالَ: إنْ رَأَيْتَ عَيْنًا فَأَنْت حُرٌّ، فَرَجَّحَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُحْمِلُ عَلَى مَعَانِيهِ (وَكَذَا) الْحُكْمُ (فِي الْمِزْمَارِ) فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ (إنْ صَلُحَ لِمُبَاحٍ) دُونَ مَا إذَا لَمْ يَصْلُحْ لَهُ، وَإِذَا صَحَّتْ (لَا يُعْطَى) الْمُوصَى لَهُ بِهِ (الْمُجَمِّعَ) أَيْ (الْمَوْضُوعَ بَيْنَ الشَّفَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُعْطِي الْمِزْمَارَ بِهَيْئَتِهِ، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ: يَجِبُ أَنْ يُفْصَلَ مِنْ غَيْرِ تَرْضِيضٍ بِحَيْثُ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ اللَّهْوِ ثُمَّ يُعْطَاهُ (وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِقَوْسٍ حُمِلَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ) وَهِيَ الَّتِي يُرْمَى بِهَا النَّبْلُ وَهِيَ السِّهَامُ الصِّغَارُ الْعَرَبِيَّةُ (وَ) عَلَى (الْفَارِسِيَّةِ) وَهِيَ الَّتِي يُرْمَى بِهَا النُّشَّابُ (وَ) عَلَى (قَوْسِ الْحُسْبَانِ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ (وَهِيَ الَّتِي لَهَا سِهَامٌ صِغَارٌ) تُرْمَى لِمَجْرًى فِيهَا، فَالْحُسْبَانُ اسْمٌ لِلسِّهَامِ الصِّغَارِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَكَلَامُ الْأَصْلِ هُنَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ صَرَّحَ فِي الْمُسَابَقَةِ بِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْقَوْسِ الْمَذْكُورَةِ (لَا) عَلَى (قَوْسِ بُنْدُقٍ وَ) لَا قَوْسِ (نَدْفٍ) لِاشْتِهَارِ الْقَوْسِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَوَّلُ دُونَ هَذَيْنِ.

وَالْبُنْدُقُ يُسَمَّى بِالْجُلَاهِقِ بِضَمِّ الْجِيمِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَ الْأَصْلُ أَنَّ الْجَلَاهِقُ اسْمٌ لِقَوْسِ الْبُنْدُقِ، وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ (إلَّا أَنْ قَالَ) : أَعْطُوهُ (مَا يُسَمَّى قَوْسًا) فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الثَّلَاثَةِ بَلْ يُعْطَى وَاحِدَةً مِنْ الْجَمِيعِ (وَلَوْ قَالَ) : أَعْطُوهُ قَوْسًا (مِنْ قِسِيٍّ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا هُمَا) أَيْ قَوْسَا الْبُنْدُقِ وَالنَّدْفِ (تَعَيَّنَ الْبُنْدُقُ) أَيْ قَوْسُهُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ إلَيْهَا أَسْبَقُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَحَدُهُمَا حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ لِلتَّقْيِيدِ بِالْإِضَافَةِ، صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ، هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (فَإِنْ بَيَّنَ الْغَرَضَ اُتُّبِعَ، بِأَنْ قَالَ: لِيَنْدِفَ) بِهَا (أَوْ يَرْمِيَ بِهَا الطَّيْرَ) أَوْ يُقَاتِلَ بِهَا.

(فَرْعٌ: لَوْ أَوْصَى بِقَوْسٍ) أَوْ طَبْلٍ (لَمْ يَدْخُلْ الْوَتَرُ) فِي الْقَوْسِ (وَلَا الْجِلْدُ الزَّائِدُ فِيهَا) أَيْ فِي الطَّبْلِ إذَا كَانَ (يُسَمَّى الطَّبْلُ) أَيْ طَبْلًا (دُونَهُ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَارِجٌ عَنْ الْمُسَمَّى، وَكَمَا لَا يَدْخُلُ السَّرْجُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالدَّابَّةِ (وَيَدْخُلُ النَّصْلُ وَالرِّيشُ فِي اسْمِ السَّهْمِ) لِثُبُوتِهِمَا فِيهِ

(وَإِنْ قَالَ) : أَعْطُوهُ (شَاةً مِنْ شِيَاهِي) أَوْ مِنْ غَنَمِي (أَوْ) مِنْ (مَالِي أَجْزَأَتْ) شَاةٌ (مَعِيبَةٌ وَمَرِيضَةٌ مَعْزًا وَضَأْنًا وَلَوْ ذَكَرًا) وَصَغِيرَ الْجُثَّةِ لِصِدْقِ اسْمِهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا اسْمُ جِنْسٍ كَالْإِنْسَانِ، وَالْهَاءُ فِيهَا لِلْوَحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الذَّكَرِ عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَنَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّ الذَّكَرَ لَا يَدْخُلُ هُنَا لِلْعُرْفِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَرَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ بَاقِيهِمْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّكَاةِ بِأَنَّ الشَّاةَ ثَمَّ مَحْمُولَةٌ عَلَى اللُّغَةِ، وَهُنَا عَلَى عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَإِنَّمَا جَوَّزُوا الْمَعِيبَ هُنَا وَإِنْ اقْتَضَى الْإِطْلَاقُ السَّلَامَةَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا زِيَادَةَ فِيهَا عَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا -

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: فَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ) قَالَ شَيْخُنَا: وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ تَقْيِيدُ مَا أَطْلَقُوهُ فِي بَابِ الْبَيْعِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ آلَةِ اللَّهْوِ، أَيْ حَيْثُ لَمْ يَصْلُحْ لِمُبَاحٍ مَعَ بَقَاءِ اسْمِهِ وَلَوْ مَعَ تَغْيِيرٍ يَسِيرٍ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُعْطَى الْمِزْمَارَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ: وَالْهَاءُ فِيهَا لِلْوَحْدَةِ) لَا لِلتَّأْنِيثِ كَحَمَامٍ وَحَمَامَةٍ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ: لَفْظُ الشَّاةِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَلِهَذَا حُمِلَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ» قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ فِي (كِتَابِ الْأَعْدَادِ) : وَإِنَّمَا أَفْرَدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الضَّأْنَ عَنْ الْمَعْزِ فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ وَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَجَعَلَهُمَا نَوْعَيْنِ وَإِنْ كَانَا سَوَاءً فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْهَدْيِ وَالضَّحَايَا، وَذَكَرَ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ قِسْمًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا يَتَنَاتَجُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغَنَمُ؛؛ لِأَنَّ الضَّأْنَ لَا يَطْرُقُ الْمَعْزَ، وَالْمَعْزَ لَا يَطْرُقُ الضَّأْنَ، فَجَرَى مَجْرَى الْجِنْسِ فِي النَّتَاجِ؛ فَلِذَلِكَ قَسَمَهُمَا قِسْمَيْنِ. اهـ.

وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: مَعْزًا وَضَأْنًا أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُمَا، فَلَوْ أَرَادَ الْوَارِثُ إعْطَاءَهُ أَرْنَبًا أَوْ ظَبْيًا لَمْ يُمَكَّنْ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ قَبُولُهُ وَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ شَاةٍ، كَمَا ذَكَر ابْنُ عُصْفُورٍ أَنَّهَا تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَالظِّبَاءِ وَالْبَقَرِ وَالنَّعَامِ وَحُمُرِ الْوَحْشِ، وَسَبَبُهُ تَخْصِيصُ الْعُرْفِ بِالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ

<<  <  ج: ص:  >  >>