للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَنْبَغِي أَنْ تُقَسَّمَ حِصَّةُ كُلِّ دَارٍ عَلَى عَدَدِ سُكَّانِهَا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ وُجُوبُ اسْتِيعَابِ الدُّورِ مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْمُتَّجَهُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى أَنَّ غَايَةَ الْجِوَارِ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ يَجِبُ، وَكَلَامُ الْبَيَانِ يُعَضِّدُهُ، وَعَلَيْهِ يَبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ. انْتَهَى. وَالْمُتَّجَهُ إبْقَاءُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَى إطْلَاقِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ فِي جَارِ الدَّارِ أَمَّا لَوْ أَوْصَى لِجِيرَانِ الْمَسْجِدِ فَالْوَجْهُ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ، وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي خَبَرِ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» أَنَّ جَارَ الْمَسْجِدِ مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ. انْتَهَى. وَالْوَجْهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ كَغَيْرِهِ فِيمَا تَقَرَّرَ، وَمَا فِي الْخَبَرِ خَاصُّ بِحُكْمِ الصَّلَاةِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُوصِي دَارَانِ صُرِفَ إلَى جِيرَانِ أَكْثَرِهِمَا سُكْنَى لَهُ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَإِلَى جِيرَانِهِمَا، نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالزَّرْكَشِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ، ثُمَّ قَالَ الْأَوَّلُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ إلَى جِيرَانِ مَنْ كَانَ فِيهَا الْوَصِيَّةِ وَالْمَوْتِ، وَاقْتَصَرَ الثَّانِي عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ.

(أَوْ) أَوْصَى (لِلْقُرَّاءِ فَحَفَظَةِ الْقُرْآنِ) يُصْرَفُ إلَيْهِمْ (لَا) إلَى حَفَظَةِ بَعْضِهِ وَلَا إلَى (مَنْ قَرَأَ بِالْمَصَاحِفِ بِلَا حِفْظٍ) لِلْعُرْفِ (أَوْ) أَوْصَى (لِلْعُلَمَاءِ أَوْ لِأَهْلِ الْعِلْمِ فَأَهْلُ عُلُومِ الشَّرْعِ مِنْ الْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ) يُصْرَفُ إلَيْهِمْ (إنْ عَلِمَ) أَهْلُ الْحَدِيثِ (طُرُقَهُ وَمَتْنَهُ وَأَسْمَاءَ رِجَالِهِ) وَالْمُرَادُ بِالْفَقِيهِ مَنْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْوَقْفِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ، وَبِأَهْلِ التَّفْسِيرِ مَنْ يَعْرِفُ مَعَانِيَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَمَا أُرِيدَ بِهِ (لَا الْمُعْرِبُونَ وَالْأُدَبَاءُ) وَالْأَطِبَّاءُ وَالْمُنَجِّمُونَ وَالْمُعَبِّرُونَ وَالْحُسَّابُ وَالْمُهَنْدِسُونَ (وَلَا الْمُتَكَلِّمُونَ) وَلَا سُمَّاعُ الْحَدِيث الَّذِينَ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِمَا مَرَّ، وَذَلِكَ لِاشْتِهَارِ الْعُرْفِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ دُونَ غَيْرِهِمْ، نَعَمْ اسْتَدْرَكَ السُّبْكِيُّ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ لِيَرُدَّ عَلَى الْمُبْتَدِعَةِ وَلِيُمَيِّزَ بَيْنَ الِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ فَذَاكَ مِنْ أَجْلِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَدْ جَعَلُوهُ فِي كِتَابِ السَّيْرِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ التَّوَغُّلُ فِي شُبَهِهِ وَالْخَوْضُ فِيهِ عَلَى طَرِيقِ الْفَلْسَفَةِ فَلَا، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ.

وَلِهَذَا قَالَ: لَأَنْ يَلْقَى الْعَبْدُ رَبَّهُ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلَا الشِّرْكَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِعِلْمِ الْكَلَامِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ تَبَعًا لِابْنِ يُونُسَ: وَالْمُرَادُ بِالْمُقْرِئِ التَّالِي، أَمَّا الْعَالِمُ بِالرِّوَايَاتِ وَرِجَالِهَا فَكَالْعَالِمِ بِطُرُقِ الْحَدِيثِ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيّ بَعْدَ أَنْ رَدَّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ بِأَنَّ عِلْمَ الْقِرَاءَاتِ يَتَعَلَّقُ بِالْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي فَالْعَارِفُ بِهِ لَا يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْعُلَمَاءِ، وَبِأَنَّ التَّالِيَ قَارِئٌ لَا مُقْرِئٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالْأُدَبَاءِ النُّحَاةُ وَاللُّغَوِيُّونَ، وَقَدْ عَدَّ الزَّمَخْشَرِيّ الْأَدَبَ اثْنَيْ عَشَرَ عِلْمًا (وَوَصْفُ الْفُقَهَاءِ) وَالْمُتَفَقِّهَةِ (وَالصُّوفِيَّةِ سَبَقَ) بَيَانُهُ (فِي الْوَقْفِ، وَأَعْقَلُ النَّاسِ أَزْهَدُهُمْ فِي الدُّنْيَا) وَكَذَا أَكْيَسُ النَّاسِ، قَالَهُ الْقَاضِي (وَأَجْهَلُهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ، فَإِنْ قَالَ) : أَوْصَيْتُ لِأَجْهَلِهِمْ (مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَمَنْ) أَيْ فَيُصْرَفُ إلَى مَنْ (يَسُبُّ الصَّحَابَةَ) وَقِيلَ: إلَى الْإِمَامِيَّةِ وَالْمُجَسِّمَةِ، وَقِيلَ: إلَى مُرْتَكِبِ الْكَبَائِرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذْ لَا شُبْهَةَ لَهُمْ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُمْ إنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْجِهَةِ عَدَمُ الْمَعْصِيَةِ.

وَقَدْ تَفَطَّنَ لِذَلِكَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ فَقَالَ: وَيَنْبَغِي عَدَمُ صِحَّتِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَعْصِيَةِ كَمَا لَا تَصِحُّ لِقَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَبْخَلِ النَّاسِ قَالَ الْبَغَوِيّ: صُرِفَ إلَى مَانِعِ الزَّكَاةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي هَذَا احْتِمَالًا ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُصْرَفَ إلَى مَنْ لَا يَقْرِي الضَّيْفَ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَحْمَقِ النَّاسِ قَالَ الرُّويَانِيُّ: قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: تُصْرَفُ إلَى مَنْ يَقُولُ بِالتَّثْلِيثِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: عِنْدِي أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَسْفَهِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْحُمْقَ يَرْجِعُ إلَى الْفِعْلِ دُونَ الِاعْتِقَادِ، وَعَنْ الْقَاضِي: لَوْ أَوْصَى لِسَيِّدِ النَّاسِ صُرِفَ إلَى الْخَلِيفَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَعَلَّلَهُ -

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَالْوَجْهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ كَغَيْرِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ لِلْقُرَّاءِ فَحَفَظَةُ الْقُرْآنِ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ حَفِظَهُ وَكَانَ يَغْلَطُ فِيهِ الْغَلَطَاتِ الْيَسِيرَةَ يُعَدُّ مِنْهُمْ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي اسْتِحْقَاقِهِ. غ (قَوْلُهُ: أَوْ لِلْعُلَمَاءِ) وَكَانَ أَنْبِيَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ بَعْدَ مُوسَى يَقُومُونَ عَلَيْهِمْ بِشَرِيعَةِ مُوسَى وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ كَعُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَحَدِيثُ «عُلَمَاءُ أُمَّتِي كَأَنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ» مَعْنَاهُ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ وَإِنَّمَا الثَّابِتُ «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ» (قَوْلُهُ فَأَهْلُ عُلُومِ الشَّرْعِ إلَخْ) أَوْلَاهُمْ بِهَذَا الِاسْمِ الْفُقَهَاءُ لِلْعُرْفِ فِيهِ حَتَّى قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَوْ أَوْصَى لِأَعْلَمِ النَّاسِ صُرِفَ لِلْفُقَهَاءِ لِتَعَلُّقِ الْفِقْهِ بِأَكْثَرِ الْعُلُومِ (قَوْلُهُ: وَبِأَهْلِ التَّفْسِيرِ مَنْ يَعْرِفُ إلَخْ) أَمَّا مَنْ عَرَفَ التَّفْسِيرَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَحْكَامَهُ فَلَا يُصْرَفُ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ كَنَاقِلِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: الْفَقِيهُ مَنْ عَرَفَ أَحْكَامَ الشَّرْعِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ شَيْئًا، وَالْمُرَادُ مِنْ كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ دُونَ مَا إذَا عَرَفَ طَرَفًا مِنْهُ، كَمَنْ يَعْرِفُ أَحْكَامَ الْحَيْضِ أَوْ الْفَرَائِضِ وَإِنْ سَمَّاهَا الشَّارِعُ نِصْفَ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: وَمَا أُرِيدَ بِهِ مِنْ خَبَرٍ وَحُكْمٍ) وَهُوَ بَحْرٌ لَا سَاحِلَ لَهُ وَكُلُّ عَالِمٍ يَأْخُذُ مِنْهُ عَلَى قَدْرِهِ، وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ، وَقِسْمٍ يُدْرَكُ مِنْ دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ بِوَاسِطَةِ عُلُومٍ أُخَرَ كَاللُّغَةِ وَغَيْرِهَا.

(وَقَوْلُهُ: فَالْعَارِفُ بِهِ لَا يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْعُلَمَاءِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ عَدَّ الزَّمَخْشَرِيّ الْآدَابَ اثْنَيْ عَشْرَ عِلْمًا) وَعَدَّهَا بَعْضُهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: عِلْمُ اللُّغَةِ، وَعِلْمُ الِاشْتِقَاقِ، وَعِلْمُ التَّصْرِيفِ، وَعِلْمُ النَّحْوِ، وَعِلْمُ الْمَعَانِي، وَعِلْمُ الْبَيَانِ، وَعِلْمُ الْبَيْعِ، وَعِلْمُ الْعَرُوضِ، وَعِلْمُ الْقَوَافِي، وَعِلْمُ قَرْضِ الشِّعْرِ، وَعِلْمُ إنْشَاءِ النَّثْرِ، وَعِلْمُ الْخَطِّ، وَعِلْمُ الْمُحَاضَرَاتِ، وَمِنْهُ التَّوَارِيخُ، وَعِلْمُ الْقِرَاءَاتِ (قَوْلُهُ: وَوَصْفُ الْفُقَهَاءِ إلَخْ) فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَنْ الْإِحْيَاءِ لِلْغَزَالِيِّ: لَوْ أَوْصَى بِمَالٍ لِلْفُقَهَاءِ دَخَلَ الْفَاضِلُ دُونَ الْمُبْتَدِئِ مِنْ شَهْرٍ وَنَحْوِهِ، وَلِلْمُتَوَسِّطِ بَيْنهُمَا دَرَجَاتٌ يَجْتَهِدُ الْمُفْتِي فِيهَا، وَالْوَرَعُ لَهُ تَرْكُ الْأَخْذِ، وَفِي فَوَائِدِ الرِّحْلَةِ لِابْنِ الصَّلَاحِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ الظَّاهِرِيَّةَ لَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْ وَصِيَّةِ الْفُقَهَاءِ شَيْئًا (قَوْلُهُ: قَالَهُ الْقَاضِي) قَالَ الْبَغَوِيّ: وَالزَّاهِدُ مَنْ لَا يَطْلُبُ مِنْ الدُّنْيَا إلَّا مَا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ (قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ) قَالَ شَيْخُنَا: صُورَتُهُ أَنْ يُطْلِقَ الْوَصِيَّةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ جِهَةَ الْمَعْصِيَةِ فَهِيَ حَاصِلَةٌ بِاللَّازِمِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: قَالَ الْبَغَوِيّ: صُرِفَ إلَى مَانِعِي الزَّكَاةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>