للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِنْسَانُ عَنْ الْبَهِيمَةِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَالْمُرَادُ الْعَقْلُ الْغَرِيزِيُّ الَّذِي بِهِ التَّكْلِيفُ دُونَ الْمُكْتَسَبِ الَّذِي بِهِ حُسْنُ التَّصَرُّفِ فَفِيهِ الْحُكُومَةُ (فَإِنْ رُجِيَ) عَوْدُهُ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ (اُنْتُظِرَ) فَإِنْ عَادَ فَلَا ضَمَانَ (كَمَنْ) أَيْ كَمَا فِي سِنِّ مَنْ (لَمْ يُثْغِرْ، وَفِي) إزَالَةِ (بَعْضِهِ) بَعْضُ الدِّيَةِ (بِالْقِسْطِ إنْ انْضَبَطَ بِزَمَانٍ) كَمَا لَوْ كَانَ يُجَنُّ يَوْمًا، وَيُفِيقُ يَوْمًا (أَوْ غَيْرَهُ) بِأَنْ يُقَابَلَ صَوَابُ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ بِالْمُخْتَلِّ مِنْهُمَا، وَتُعْرَفُ النِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا.

(وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ بِأَنْ كَانَ يَفْزَعُ أَحْيَانًا مِمَّا لَا يَفْزَعُ أَوْ يَسْتَوْحِشُ إذَا خَلَا (فَحُكُومَةٌ) تَجِبُ يُقَدِّرُهَا الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادِهِ، وَكَذَا حَيْثُ تَجِبُ فِي سَائِرِ الْمَنَافِعِ الْآتِيَةِ (وَلَا قِصَاصَ فِيهِ) لِلْخِلَافِ فِي مَحَلِّهِ وَلِعَدَمِ الْإِمْكَانِ (وَإِذَا زَالَ) الْعَقْلُ (بِجِنَايَةٍ لَهَا أَرْشٌ) مُقَدَّرٌ (أَوْ حُكُومَةٌ وَجَبَا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (مَعَ دِيَتِهِ) أَيْ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ أَبْطَلَتْ مَنْفَعَةً لَيْسَتْ فِي مَحَلِّ الْجِنَايَةِ فَكَانَتْ كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَزَالَ عَقْلُهُ وَجَبَ ثَلَاثُ دِيَاتٍ (وَإِنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرِ عَوْدُهُ فِيهَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ) كَمَا جَزَمَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَاعْتِبَارُ الْمُدَّةِ وَالتَّصْرِيحِ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَكَذَا تَنْظِيرُ الِانْتِظَارِ فِيمَا مَرَّ بِسِنِّ مَنْ لَمْ يُثْغِرْ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ تَوَقَّعَ عَوْدَهُ فَيَتَوَقَّفُ فِي الدِّيَةِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِقَامَةِ فَفِي الدِّيَةِ وَجْهَانِ كَمَا لَوْ قَلَعَ سِنَّ مَثْغُورٍ فَمَاتَ قَبْلَ عَوْدِهَا، وَقَوْلُهُ سِنَّ مَثْغُورٍ، وَصَوَابُهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ سِنَّ غَيْرِ مَثْغُورٍ فَإِنَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي، وَإِنْ كَانَ الْمُوَافِقُ لِلْمَنْقُولِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ مَا عَبَّرَ بِهِ (فَإِنْ كَذَّبَهُ الْجَانِي) فِي زَوَالِ عَقْلِهِ وَنَسَبِهِ إلَى التَّجَانُنِ (اُخْتُبِرَ فِي غَفَلَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ قَوْلُهُ، وَفِعْلُهُ أُعْطِيَ) الدِّيَةَ (بِلَا يَمِينٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَجَانَنُ فِي الْجَوَابِ، وَيَعْدِلُ إلَى كَلَامٍ آخَرَ؛ وَلِأَنَّ يَمِينَهُ تُثْبِتُ جُنُونَهُ.

وَالْمَجْنُونُ لَا يَحْلِفُ لَا يُقَالُ يُسْتَدَلُّ بِحَلِفِهِ عَلَى عَقْلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجْرِي انْتِظَامُ ذَلِكَ مِنْهُ اتِّفَاقًا نَعَمْ إنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ حَلَفَ زَمَنَ إفَاقَتِهِ (وَإِنْ انْتَظَمَا حَلَفَ الْجَانِي) لِاحْتِمَالِ صُدُورِ الْمُنْتَظِمِ اتِّفَاقًا أَوْ جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ وَالِاخْتِبَارِ بِأَنْ يُكَرِّرَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ أَوْ كَذِبُهُ.

(الثَّانِي السَّمْعُ) أَيْ إزَالَتُهُ (وَفِيهِ الدِّيَةُ) لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «، وَفِي السَّمْعِ الدِّيَةُ» وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ الْحَوَاسِّ فَكَانَ كَالْبَصَرِ (وَ) فِي إزَالَتِهِ (مَعَ) قَطْعِ (الْأُذُنَيْنِ) (دِيَتَانِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأُذُنَيْنِ (، وَفِي) إزَالَةِ (سَمْعِ إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا) أَيْ الدِّيَةِ لَا لِتَعَدُّدِ السَّمْعِ فَإِنَّهُ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا التَّعَدُّدُ فِي مَنْفَذِهِ بِخِلَافِ ضَوْءِ الْبَصَرِ إذْ تِلْكَ اللَّطِيفَةُ مُتَعَدِّدَةٌ، وَمَحَلُّهَا الْحَدَقَةُ بَلْ؛ لِأَنَّ ضَبْطَ نُقْصَانِهِ بِالْمَنْفَذِ أَقْرَبُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ (فَإِنْ قَالُوا) أَيْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ (يَعُودُ، وَقَدَّرُوا) لِعَوْدِهِ (مُدَّةً لَا يُسْتَبْعَدُ عَيْشُهُ) أَيْ أَنْ يَعِيشَ (إلَيْهَا اُنْتُظِرَتْ) فَإِنْ اُسْتُبْعِدَ ذَلِكَ أُخِذَتْ الدِّيَةُ، وَلَا تُنْتَظَرُ الْمُدَّةُ، وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرُوا مُدَّةً أُخِذَتْ الدِّيَةُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَا إلَى غَايَةٍ كَالتَّفْوِيتِ (وَإِنْ قَالُوا) لَطِيفَةُ السَّمْعِ بَاقِيَةٌ فِي مَقَرِّهَا، وَلَكِنْ (ارْتَتَقَ الْمَنْفَذُ) يَعْنِي مَنْفَذَ السَّمْعِ أَوْ الشَّمِّ (وَالسَّمْعُ أَوْ الشَّمُّ بَاقٍ فَحُكُومَةٌ) تَجِبُ لَا دِيَةٌ لِبَقَاءِ السَّمْعِ (إنْ لَمْ يُرْجَ فَتْقُهُ) فَإِنْ رُجِيَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ (وَلَوْ أَذْهَبَ سَمْعَ طِفْلٍ فَلَمْ يَنْطِقْ) بِأَنْ تَعَطَّلَ مَعَ بَقَاءِ قُوَّتِهِ (لَمْ يَلْزَمْهُ دِيَةُ) تَعْطِيلِ (النُّطْقِ بَلْ حُكُومَةٌ) ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَ يَتَدَرَّجُ إلَى النُّطْقِ تَلَقِّيًا مِمَّا يَسْمَعُ نَعَمْ تَجِبُ الدِّيَةُ لِإِزَالَةِ سَمْعِهِ (، وَيُمْتَحَنُ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (إنْ ادَّعَى زَوَالَهُ) ، وَأَنْكَرَهُ الْجَانِي (فِي غَفَلَاتِهِ وَنَوْمِهِ بِالْأَصْوَاتِ الْمُنْكَرَةِ فَإِنْ انْزَعَجَ) عَلِمَا كَذِبَهُ، وَ (حَلَفَ الْجَانِي)

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

الْبَهِيمَةِ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ انْتِفَاعَهُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ الْعَقْلُ الْغَرِيزِيُّ) ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْمُدْرَكَاتِ الضَّرُورِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَفِي إزَالَةِ بَعْضِهِ بَعْضُ الدِّيَةِ) الْعَقْلُ الْغَرِيزِيُّ لَا يَتَبَعَّضُ فِي ذَاتِهِ بِأَنَّهُ مَحْدُودٌ بِمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَذْهَبَ بَعْضُهُ وَيَبْقَى بَعْضُهُ، وَلَكِنْ قَدْ يَتَبَعَّضُ زَمَانُهُ فَيَعْقِلُ يَوْمًا وَيُجَنُّ يَوْمًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَتَبَعَّضُ.

(قَوْلُهُ: لِلْخِلَافِ فِي مَحَلِّهِ) فَقِيلَ الْقَلْبُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَأَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَقِيلَ الدِّمَاغُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَطِبَّاءِ، وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا د (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَزَالَهُ بِجِنَايَةٍ لَهَا أَرْشٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ أَزَالَ عَقْلَهُ بِمُبَاشَرَةٍ لَا تُوجِبُ غُرْمًا كَاللَّطْمَةِ وَاللَّكْمَةِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا تَجِبُ إلَّا الدِّيَةُ، وَهَلْ يُعَزَّرُ؟ . فِيهِ وَجْهَانِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ أَبْطَلَتْ مَنْفَعَةً لَيْسَتْ فِي مَحَلِّ الْجِنَايَةِ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّهُ الْقَلْبُ لَا الدِّمَاغُ إذْ لَوْ كَانَ فِي الرَّأْسِ لَمْ يَجِبْ غَيْرُ دِيَةِ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَجَّ رَأْسَهُ، وَأَتْلَفَ عَلَيْهِ الْعَقْلَ الَّذِي هُوَ مَنْفَعَةٌ فِي الْعُضْوِ الْمَشْجُوجِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَذَّبَهُ الْجَانِي فِي دَعْوَى زَوَالِهِ مِنْ وَلِيِّهِ) أَوْ مَنْصُوبِ الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ: أَعْطَى الدِّيَةَ بِلَا يَمِينٍ) فَإِنْ كَانَ جُنُونُهُ مُتَقَطِّعًا وَادَّعَى زَمَنَ إفَاقَتِهِ حَلَفَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالِاخْتِبَارُ بِأَنْ يُكَرَّرَ ذَلِكَ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِذَهَابِ عَقْلِهِ أَنْ نَمْتَحِنَهُ بِأَفْعَالِهِ مَرَّاتٍ حَتَّى يَقَعَ لَنَا الْعِلْمُ بِذَهَابِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَصَنِّعٍ فِي ذَلِكَ ثُمَّ نَسْأَلُ أَهْلَ الْخِبْرَةِ فَإِنْ قَالُوا هَذَا يَزُولُ تَرَبَّصْنَا بِهِ الْمُدَّةَ فَإِنْ زَالَ لَمْ نَحْكُمْ بِشَيْءٍ، وَإِلَّا حَكَمْنَا بِالدِّيَةِ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ الْحَوَاسِّ) فَكَانَ كَالْبَصَرِ بَلْ هُوَ أَشْرَفُ مِنْهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُدْرَكُ بِهِ مِنْ الْجِهَاتِ، وَفِي النُّورِ وَالظُّلْمَةِ، وَلَا يُدْرَكُ بِالْبَصَرِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ وَبِوَاسِطَةٍ مِنْ ضِيَاءٍ أَوْ شُعَاعٍ وَتَقْدِيمِ ذِكْرِ السَّمْعِ فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ يَقْتَضِي أَفْضَلِيَّتَهُ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِتَفْضِيلِ الْبَصَرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّمْعَ لَا يُدْرَكُ بِهِ إلَّا الْأَصْوَاتُ وَالْبَصَرُ تُدْرَكُ بِهِ الْأَجْسَامُ وَالْأَلْوَانُ وَالْهَيْئَاتُ فَلَمَّا كَانَتْ تَعَلُّقَاتُهُ أَكْثَرَ كَانَ أَفْضَلَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالُوا يَعُودُ، وَقَدَّرُوا مُدَّةَ إلَخْ) نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي السَّمْعِ خَاصَّةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِي سَائِرِ الْمَعَانِي الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اُسْتُبْعِدَ ذَلِكَ أُخِذَتْ الدِّيَةُ) ، وَلَا تُنْظَرُ الْمُدَّةُ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: وَيُمْتَحَنُ إنْ ادَّعَى زَوَالَهُ إلَخْ) صُورَةُ امْتِحَانِهِ أَنْ يَتَغَفَّلَ ثُمَّ يُصَاحُ بِأَزْعَج صَوْتِ، وَأَهْوَلِهِ أَوْ بِأَنْ يُطْرَحَ فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ طَسْتٌ أَوْ نَحْوُهُ عَلَى صَخْرَةٍ مِنْ مَوْضِعٍ عَالٍ (قَوْلُهُ: بِالْأَصْوَاتِ الْمُنْكَرَةِ) كَالرَّعْدِ وَطَرْحِ شَيْءٍ لَهُ صَوْتٌ مِنْ عُلُوٍّ

<<  <  ج: ص:  >  >>