إنَّ سَمْعَهُ بَاقٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ انْزِعَاجُهُ اتِّفَاقًا (وَإِلَّا) عَلِمْنَا صِدْقَهُ، وَ (حَلَفَ هُوَ) لِاحْتِمَالِ تَجَلُّدِهِ، وَلَا بُدَّ فِي امْتِحَانِهِ مِنْ تَكَرُّرِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ أَوْ كَذِبُهُ (وَإِنْ ادَّعَاهُ) أَيْ زَوَالَهُ (مِنْ إحْدَاهُمَا حُشِيَتْ الْأُخْرَى وَامْتُحِنَ) كَمَا مَرَّ (وَإِنْ ادَّعَى زَوَالَ بَعْضِهِ) مِنْ الْأُذُنَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا، وَكَذَّبَهُ الْجَانِي (صُدِّقَ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ (وَقُسِّطَ) وَاجِبُ السَّمْعِ عَلَى الزَّائِلِ وَالْبَاقِي (إنْ أَمْكَنَ) التَّقْسِيطُ بِأَنْ عَرَفَ فِي الْأُولَى أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ مِنْ مَوْضِعِ كَذَا فَصَارَ يَسْمَعُ مِنْ دُونِهِ، وَبِأَنْ يَخْشَى فِي الثَّانِيَةِ الْعَلِيلَةَ، وَيَضْبِطَ مُنْتَهَى سَمَاعِ الْأُخْرَى ثُمَّ يَعْكِسَ، وَيَجِبَ قِسْطُ التَّفَاوُتِ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ نِصْفًا وَجَبَ فِي الْأُولَى نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ رُبُعُهَا (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّقْسِيطُ (فَحُكُومَةٌ) تَجِبُ.
(الثَّالِثُ الْبَصَرُ، وَفِيهِ) أَيْ فِي إزَالَتِهِ (الدِّيَةُ) قَالُوا لِخَبَرِ مُعَاذٍ «فِي الْبَصَرِ الدِّيَةُ» ، وَهُوَ غَرِيبٌ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ سَوَاءٌ الْأَحْوَلُ وَالْأَعْمَشُ وَالْأَعْشَى وَغَيْرُهُمْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إزَالَتِهِ (وَحْدَهُ، وَ) إزَالَتِهِ (مَعَ الْعَيْنَيْنِ) كَمَا فِي الْبَطْشِ مَعَ الْيَدَيْنِ بِخِلَافِ السَّمْعِ مَعَ الْأُذُنَيْنِ لِمَا مَرَّ (، وَفِي) إزَالَةِ (بَعْضِهِ) بَعْضُ دِيَتِهِ (بِالْقِسْطِ) (إنْ تَقَدَّرَ) أَيْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُهُ بِأَنْ كَانَ يَرَى الشَّخْصَ مِنْ مَسَافَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَصَارَ لَا يَرَاهُ إلَّا مِنْ بَعْضِهَا (وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ) كَمَا فِي السَّمْعِ (وَلَوْ اخْتَلَفَا) فِي زَوَالِهِ مِنْ الْعَيْنَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا (حُكِمَ) فِيهِ (بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ خَبِيرَيْنِ) مُطْلَقًا (أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إنْ كَانَ خَطَأً) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْعَدَالَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَيُمْتَحَنُ بِمِثْلِ) تَقْرِيبِ (حَيَّةٍ مُغَافِصَةٍ) أَيْ بَغْتَةٍ فَإِنْ انْزَعَجَ صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ، وَإِلَّا فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ، وَخَيْرٌ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ بَيْنَ الِامْتِحَانِ بِذَلِكَ وَسُؤَالِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَإِنَّهُمْ إذَا أَوْقَفُوا الشَّخْصَ فِي مُقَابَلَةِ عَيْنِ الشَّمْسِ وَنَظَرُوا فِي عَيْنِهِ عَرَفُوا أَنَّ الضَّوْءَ ذَاهِبٌ أَوْ قَائِمٌ بِخِلَافِ السَّمْعِ إذْ لَا طَرِيقَ لَهُمْ إلَى مَعْرِفَتِهِ لَكِنْ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُمْ إذَا تَوَقَّعُوا عَوْدَهُ، وَقَدَّرُوا لَهُ مُدَّةً انْتَظَرَ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُمْ طَرِيقًا إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ نَقْلُ سُؤَالِهِمْ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَجَمَاعَةٍ وَالِامْتِحَانُ عَنْ جَمَاعَةٍ وَرَدَ الْأَمْرَ إلَى خِيَرَةِ الْحَاكِمِ بَيْنَهُمَا عَنْ الْمُتَوَلِّي وَرَتَّبَ فِي الْكِفَايَةِ فَقَالَ يُسْأَلُونَ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِمْ اُمْتُحِنَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يُوَافِقُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِجَمْعِهِ بَيْنَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: وَإِلَّا حَلَفَ هُوَ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا بُدَّ فِي يَمِينِهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِذَهَابِ سَمْعِهِ بِجِنَايَةِ الْجَانِي فَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ جِنَايَتِهِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِالدِّيَةِ لِجَوَازِ ذَهَابِهِ بِغَيْرِ جِنَايَتِهِ.
(قَوْلُهُ: الثَّالِثُ الْبَصَرُ، وَفِيهِ الدِّيَةُ) سُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ رَجُلٍ أَرْمَدَ أَتَى امْرَأَةً بِالْبَادِيَةِ تَدَّعِي الطِّبَّ لِتُدَاوِيَ عَيْنَهُ فَكَحَّلَتْهُ فَتَلِفَتْ عَيْنُهُ هَلْ يَلْزَمُهَا ضَمَانُهَا؟ . فَأَجَابَ إنْ ثَبَتَ أَنَّ ذَهَابَ عَيْنِهِ بِدَوَائِهَا فَعَلَى عَاقِلَتِهَا ضَمَانُهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ تَعَدَّتْ فَعَلَيْهَا فِي مَالِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَرْمَدُ أَذِنَ لَهَا فِي الْمُدَاوَاةِ بِهَذَا الدَّوَاءِ الْمُعَيَّنِ فَلَا تَضْمَنُ، قَالَ: وَنَظِيرُهُ مَا إذَا أَذِنَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ فِي قَطْعِ سِلْعَتِهِ أَوْ فَصْدِهِ فَمَاتَ لَا يَضْمَنُ أَمَّا إذَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ إذْنُهُ مَا يَكُونُ سَبَبًا فِي إتْلَافِهِ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْبَطْشِ مَعَ الْيَدَيْنِ) أَيْ ابْتِدَاءً أَمَّا لَوْ عَادَ إذْهَابُهُ الْبَصَرَ فَفَقَأَهُمَا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي زَوَالِهِ مِنْ الْعَيْنَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا حُكِمَ فِيهِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَحْسَنُ مَنْ رَأَيْته ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْمَاوَرْدِيُّ فَلْنَذْكُرْ كَلَامَهُ، وَإِنْ تَضَمَّنَ تَكْرَارًا فَفِي ضِمْنِهِ فَوَائِدُ إذَا ذَهَبَ ضَوْءُهَا رُوجِعَ الْأَطِبَّاءُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا حَالَهَا، وَجَوَّزُوا ذَهَابَهُ وَبَقَاءَهُ عَمِلْنَا بِقَوْلِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ الِاسْتِظْهَارِ إنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا فَيُسْتَقْبَلُ فِي غَفَلَاتِهِ بِمَا يُزْعِجُ الْبَصَرَ رُؤْيَتُهُ وَيُشَارُ إلَى عَيْنِهِ بِمَا يَتَوَقَّاهُ الْبَصَرُ بِإِغْمَاضِهِ، وَيُؤْمَرُ بِالْمَشْيِ فِي طَرِيقِ الْحَفَائِرِ وَالْآبَارِ، وَمَعَهُ مَنْ يُحَوِّلُهُ عَنْهَا، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ فَإِذَا بَانَ صِدْقُهُ قَضَى لَهُ بِالْقَوَدِ فِي الْعَمْدِ وَبِالدِّيَةِ فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ تَوَقَّى ذَلِكَ حَلَفَ الْجَانِي إنَّ بَصَرَهُ لَبَاقٍ لَمْ يَذْهَبْ.
وَإِنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا وَقَفَ أَمْرُهُمَا إلَى كَمَالِهِمَا ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِمَا فَإِنْ مَاتَا قَبْلَ ذَلِكَ خَلَفَهُمَا وَلِيُّهُمَا فِي ذَلِكَ، وَإِنْ عَلِمَ الْأَطِبَّاءُ الْحَالَ فَفِيهِ أَقْسَامٌ. الْأَوَّلُ أَنْ يَشْهَدَ عَدْلَانِ مِنْهُمْ بِبَقَاءِ الْبَصَرِ فِي الْحَالِ، وَمَا بَعْدَهَا فَيُحْكَمُ بِهِمَا وَيَبْرَأُ الْجَانِي مِنْ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ ثُمَّ إنْ كَانَ لِلْجِنَايَةِ أَثَرٌ أُخِذَ بِحُكُومَتِهِ، وَلَمْ يُعَزَّرْ، وَإِلَّا عُزِّرَ أَدَبًا، وَلَا غُرْمَ الثَّانِي أَنْ يَشْهَدَا بِبَقَاءِ بَصَرِهِ فِي الْحَالِ، وَجَوَازِ ذَهَابِهِ فِي الثَّانِي، فَإِنْ قَدَّرَا لِتَجْوِيزِ ذَهَابِهِ مُدَّةً فَقَالَا يَجُوزُ ذَهَابُهُ إلَى سَنَةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ بَعْدَهَا عُمِلَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا وَوُقِفَ سَنَةً فَإِنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فِيهَا فَلَهُ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ، وَالدِّيَةُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ ذَهَبَ بَعْدَهَا فَلَا دِيَةَ وَتَجِبُ حُكُومَةٌ إنْ كَانَ ثَمَّ أَثَرٌ، وَلَا يُعَزَّرُ، وَإِلَّا عُزِّرَ، وَلَا غُرْمَ فَعَلَى هَذَا لَوْ فَقَأَ بَصَرَهُ آخَرُ أَخَذَ بِهِ قَوَدًا وَدِيَةً دُونَ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ فَقَأَهَا فِي السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا لِبَقَاءِ الْبَصَرِ حَالَ جِنَايَتِهِ. الثَّالِثُ أَنْ يَشْهَدَا بِذَهَابِهِ فِي الْحَالِ وَبَعْدَهُ فَلَهُ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ إذَا شَهِدَ لَهُ رَجُلَانِ، وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ إذَا شَهِدَ لَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِنْهُمْ.
الرَّابِعُ أَنْ يَشْهَدَا بِذَهَابِهِ فِي الْحَالِ، وَجَوَازِ عَوْدِهِ فِي الثَّانِي فَإِنْ لَمْ يُقَدِّرُوا مُدَّةً لِعَوْدِهِ، وَقَالُوا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْأَبَدِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ لَمْ تُوجِبْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ تَوَقُّفَ عَنْ قِصَاصٍ، وَلَا دِيَةٍ، وَأُخِذَا فِي الْحَالِ، وَإِنْ قَدَّرُوهُ بِمُدَّةٍ، وَقَالُوا يَجُوزُ عَوْدُهُ إلَى سَنَةٍ فَإِنْ عَادَ فِيهَا بَرِئَ الْجَانِي، وَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ إنْ أَثَّرَتْ جِنَايَتُهُ، وَلَا يُعَزَّرُ، وَإِلَّا عُزِّرَ، وَلَا غُرْمَ، وَإِنْ انْقَضَتْ السَّنَةُ، وَلَمْ يَعُدْ أُخِذَ بِالْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ.
فَلَوْ فَقَأَ عَيْنَيْهِ آخَرُ قَبْلَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ فَالْقَوَدُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَقَالَ الْأَوَّلُ عَادَ الْبَصَرُ قَبْلَ جِنَايَتِك فَعَلَيْك ضَمَانُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي بِيَمِينِهِ، وَإِنْ ادَّعَيَا عِلْمَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ نَظَرٌ إنْ صُدِّقَ الثَّانِي أَنَّ بَصَرَهُ لَمْ يَعُدْ حَلَفَ لِلْأَوَّلِ إنْ طَلَبَ يَمِينَهُ، وَقَضَى عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ، وَإِنْ صُدِّقَ الْأَوَّلُ أَنَّهُ عَادَ قَبْلَ جِنَايَةِ الثَّانِي بَرِئَ الْأَوَّلُ مِنْ الْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ بِتَصْدِيقِهِ، وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ: عَلَى الثَّانِي، وَهُدِرَتْ عَيْنُهُ، وَإِنْ لَمْ يَجْنِ عَلَيْهِ جَانٍ بَلْ مَاتَ عِنْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ أُخِذَ الْجَانِي بِالْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ (قَوْلُهُ: فَقَالَ يَسْأَلُونَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ إلَخْ) ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَإِنَّهُ إنَّمَا يَمْتَحِنُهُ عِنْدَ فَقْدِهِمْ أَوْ تَحَيُّرِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute