للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنَ عُمَرَ سَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ يَهُودِيٌّ فَتَبِعَهُ وَقَالَ لَهُ: رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي انْتَهَى وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الصِّيغَتَيْنِ كَافِيَةٌ.

(وَإِنْ سَلَّمَ الذِّمِّيُّ) عَلَى مُسْلِمٍ (قَالَ لَهُ) وُجُوبًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ (وَعَلَيْك) فَقَطْ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ خَبَرَ «إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُولُ أَحَدُهُمْ السَّامُّ عَلَيْك فَقُولُوا وَعَلَيْك» وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ سُفْيَانُ يَرْوِي عَلَيْكُمْ بِحَذْفِ الْوَاوِ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَذَفَهَا صَارَ قَوْلُهُمْ مَرْدُودًا عَلَيْهِمْ وَإِذَا ذَكَرَهَا وَقَعَ الِاشْتِرَاكُ مَعَهُمْ وَالدُّخُولُ فِيمَا قَالُوهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَعْنَى وَنَحْنُ نَدْعُو عَلَيْكُمْ بِمَا دَعَوْتُمْ بِهِ عَلَيْنَا عَلَى أَنَّا فَسَّرْنَا السَّامَّ بِالْمَوْتِ فَلَا إشْكَالَ لِاشْتِرَاكِ الْخَلْقِ فِيهِ (وَيَسْتَثْنِيه) أَيْ الذِّمِّيَّ وُجُوبًا وَلَوْ (بِقَلْبِهِ إنْ كَانَ بَيْنَ مُسْلِمِينَ) وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ مَعَ مُسْلِمٍ كَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ.

(وَلَا يَبْدَأُ) الذِّمِّيَّ (بِتَحِيَّةِ غَيْرِ السَّلَامِ) أَيْضًا (إلَّا لِعُذْرٍ) كَقَوْلِهِ: هَدَاك اللَّهُ أَوْ أَنْعَمَ اللَّهُ صَبَاحَك أَوْ صُبِّحْت بِالْخَيْرِ أَوْ بِالسَّعَادَةِ أَوْ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ لَمْ يَبْدَأْهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْإِكْرَامِ أَصْلًا فَإِنَّ ذَلِكَ بَسْطٌ لَهُ وَإِينَاسٌ وَمُلَاطَفَةٌ وَإِظْهَارُ وُدٍّ وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِالْإِغْلَاظِ عَلَيْهِمْ وَمَنْهِيُّونَ عَنْ وُدِّهِمْ فَلَا تُظْهِرْهُ قَالَ تَعَالَى {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: ٢٢] .

(وَإِنْ كَتَبَ إلَى كَافِرٍ) كِتَابًا وَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ سَلَامًا (قَالَ) أَيْ كَتَبَ نَدْبًا «مَا كَتَبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى هِرَقْلَ السَّلَامُ عَلَى مِنْ اتَّبَعَ الْهُدَى» .

(وَلَوْ قَامَ عَنْ جَلِيسٍ) لَهُ (فَسَلَّمَ) عَلَيْهِ (وَجَبَ الرَّدُّ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ مِنْهُ سُنَّةٌ لِخَبَرِ «إذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتْ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنْ الْآخِرَةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ الرَّدُّ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَا صَرَّحَ بِتَرْجِيحِهِ صَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ.

(وَمَنْ دَخَلَ دَارِهِ فَلْيُسَلِّمْ) نَدْبًا (عَلَى أَهْلِهِ) لِخَبَرِ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ يَا بُنَيَّ إذَا دَخَلْت عَلَى أَهْلِك فَسَلِّمْ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْك وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِك» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

(أَوْ) دَخَلَ (مَوْضِعًا خَالِيًا) عَنْ النَّاسِ (فَلْيَقُلْ) نَدْبًا (السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) لِمَا رَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ حِينَئِذٍ وَقَالَ تَعَالَى {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: ٦١] .

(وَيُسَمِّ اللَّهَ) نَدْبًا (قَبْلَ دُخُولِهِ وَيَدْعُو) بِمَا أَحَبَّ ثُمَّ يُسَلِّمُ بَعْدَ دُخُولِهِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «إذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَ الْمَوْلَجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا ثُمَّ لِيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ» .

(وَلَا يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ فِي الْحَمَّامِ) أَيْ لَا يُسْتَحَبُّ السَّلَامُ عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِأَنَّهُ بَيْتُ الشَّيْطَانِ وَلِاشْتِغَالِهِ بِالْغُسْلِ، وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ الْأَوَّلَ دُخُولُ مَحَلِّ نَزْعِ الثِّيَابِ، وَالثَّانِيَ خُرُوجُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَعَلَيْهِ جَرَى الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ.

(وَ) لَا عَلَى مِنْ (يَقْضِي الْحَاجَةَ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلِأَنَّ مُكَالَمَتَهُ بَعِيدَةٌ عَنْ الْأَدَبِ وَالْمُرُوءَةِ.

(أَوْ) عَلَى مَنْ (يَأْكُلُ) وَخَصَّهُ الْإِمَامُ بِحَالَةِ الْمَضْغِ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ وَالشُّرْبُ كَالْأَكْلِ كَمَا فِي التَّعْلِيقَةِ.

(أَوْ) عَلَى مَنْ (يُصَلِّيَ) لِاشْتِغَالِهِ بِالصَّلَاةِ وَفِي مَعْنَاهَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ.

(أَوْ) عَلَى مَنْ (يُؤَذِّنُ) وَالضَّابِطُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ بِحَالَةٍ لَا يَلِيقُ بِالْمُرُوءَةِ الْقُرْبُ مِنْهُ فِيهَا فَيَدْخُلُ النَّائِمُ وَالنَّاعِسُ وَالْخَطِيبُ.

(وَلَا يَلْزَمُ) مَنْ لَا يُسْتَحَبُّ السَّلَامُ عَلَيْهِ (الرَّدُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ السَّلَامُ عَلَى مُسْتَمِعِ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الرَّدُّ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ بِمَا فِيهِ.

(وَيَرُدُّ الْمُلَبِّي) فِي الْإِحْرَامِ (بِاللَّفْظِ) عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْأَذْكَارِ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ قَطْعُ التَّلْبِيَةِ انْتَهَى وَرَدُّ الْمُلَبِّي مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِمَا مَرَّ آنِفًا.

(وَيُكْرَهُ) الرَّدُّ (لِمَنْ يَبُولُ أَوْ يُجَامِعُ) أَوْ لِنَحْوِهِمَا كَمَا مَرَّ فِي الِاسْتِنْجَاءِ.

(وَيُسَنُّ) الرَّدُّ (لِمَنْ يَأْكُلُ أَوْ فِي الْحَمَّامِ) بِاللَّفْظِ (وَكَذَا) يُسَنُّ (لِلْمُصَلِّي وَنَحْوِهِ) كَسَاجِدٍ لِتِلَاوَةٍ وَمُؤَذِّنٍ (بِالْإِشَارَةِ) وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ.

(وَيُسَنُّ إرْسَالُ السَّلَامِ إلَى غَائِبٍ) عَنْهُ (بِرَسُولٍ أَوْ كِتَابٍ وَيَجِبُ) عَلَى الرَّسُولِ (التَّبْلِيغُ) لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ (وَ) يَجِبُ عَلَى الْغَائِبِ (الرَّدُّ) فَوْرًا بِاللَّفْظِ فِي الرَّسُولِ وَبِهِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ فِي الْكِتَابِ (وَيُسْتَحَبُّ الرَّدُّ عَلَى الْمُبَلِّغِ أَيْضًا) فَيَقُولُ وَعَلَيْهِ وَعَلَيْك السَّلَامُ.

(وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يَحْرِصَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَلَاقِيَيْنِ عَلَى الْبُدَاءَةِ) بِالسَّلَامِ لَخَبَرِ «أَنَّ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الصِّيغَتَيْنِ كَافِيَةٌ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ: وَإِذَا سَلَّمَ الذِّمِّيُّ) وَخَرَجَ بِالذِّمِّيِّ الْمُرْتَدُّ وَالْحَرْبِيُّ (قَوْلُهُ: قَالَ لَهُ وُجُوبًا) كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ بِإِيجَابِ الرَّدِّ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ وَجَرَى عَلَى بَحْثِهِ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا (قَوْلُهُ: وَعَلَيْك فَقَطْ) قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَذْهَبُنَا تَحْرِيمُ ابْتِدَائِهِمْ بِهِ وَوُجُوبُ رَدِّهِ عَلَيْهِمْ أَيْ بِلَفْظِ وَعَلَيْك أَوْ وَعَلَيْكُمْ دُونَ لَفْظِ السَّلَامِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أب

(قَوْلُهُ: وَلَا يَبْدَأُ الذِّمِّيَّ بِتَحِيَّةٍ إلَخْ) أَيْ يَحْرُمُ وَكَتَبَ أَيْضًا عِبَارَةَ الْأَنْوَارِ وَتَجُوزُ تَحِيَّةُ الذِّمِّيِّ بِغَيْرِ السَّلَامِ

(قَوْلُهُ: وَالثَّانِي خُرُوجُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ جَرَى الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ) وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مَوْضِعُ الِاغْتِسَالِ وَنَحْوِهِ فَقَطْ وَتَعْلِيلُهُمْ يُرْشِدُ إلَيْهِ

(قَوْلُهُ: وَخَصَّهُ الْإِمَامُ بِحَالَةِ الْمَضْغِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ) وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الْأَرْجَحُ

(قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى مَنْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ) أَوْ يَخْطُبُ (قَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ بِمَا فِيهِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْقِيَاسُ أَنَّ هَذَا يَعُمُّ كُلَّ خَطِيبٍ

(قَوْلُهُ: وَرَدُّ الْمُلَبِّي مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَمَالِي

(قَوْلُهُ: وَيُجَامِعُ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِتَحْرِيمِ السَّلَامِ عَلَى الْمُجَامِعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَذَى وَالتَّخْجِيلِ وَقِلَّةِ الْحَيَاءِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَالِمٌ بِحَالِهِ وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>