للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْلَى النَّاسِ بِاَللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» .

(وَ) أَنْ (يَتَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِ التَّلَاقِي) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ «أَنَّهُ جَاءَ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد خَبَرًا «إذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ» وَخَرَجَ بِتَكَرُّرِ التَّلَاقِي مَا إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ اتَّحِدَ مَجْلِسُ سَلَامٍ بِأَنْ سَلَّمَ فِيهِ عَلَى رَجُلٍ فَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ فِيهِ ثَانِيًا فَلَا يُسْتَحَبُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيِّ.

(وَأَنْ يَبْدَأَ بِهِ قَبْلَ الْكَلَامِ) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا خَبَرُ السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ فَضَعِيفٌ.

(وَإِنْ كَانَ) مَارًّا (فِي سُوقٍ أَوْ جَمْعٍ لَا يَنْتَشِرُ فِيهِمْ السَّلَامُ) الْوَاحِدُ كَالْجَامِعِ (سَلَّمَ عَلَى مَنْ يَلِيه) فَقَطْ (أَوَّلًا) أَيْ أَوَّلَ مُلَاقَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَلَى الْجَمِيعِ تَعَطَّلَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ وَخَرَجَ بِهِ عَنْ الْعُرْفِ وَإِذَا سَلَّمَ عَلَى مَنْ يَلِيه كَانَ مُؤَدِّيًا سُنَّةَ السَّلَامِ فِي حَقِّ مَنْ سَمِعَهُ وَيَدْخُلُ فِي وُجُوبِ الرَّدِّ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ.

(فَإِنْ) جَلَسَ إلَى مَنْ سَمِعَهُ سَقَطَ عَنْهُ سُنَّةُ السَّلَامِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ.

وَإِنْ (تَخَطَّى وَجَلَسَ إلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْ) سَلَامَهُ (سَلَّمَ ثَانِيًا وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ) لِلرَّدِّ (عَنْ الْأَوَّلِينَ بِرَدِّ الْآخَرِينَ) .

(وَلَا يَتْرُكُ السَّلَامَ خَوْفَ عَدَمِ الرَّدِّ) عَلَيْهِ لِتَكَبُّرٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ الْمَارُّ أَنْ يُسَلِّمَ لَا أَنْ يَحْصُلَ الرَّدُّ مَعَ أَنَّ الْمُرُورَ بِهِ قَدْ يُرَدُّ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ وَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الرَّدُّ فَلَمْ يُرِدْ أَنْ يُحَلِّلَهُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ: أَبْرَأْته مِنْ حَقِّي فِي رَدِّ السَّلَامِ أَوْ جَعَلْتُهُ فِي حِلٍّ مِنْهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعِبَارَةٍ لَطِيفَةٍ رَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ فَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ لِيَسْقُطَ عَنْك الْفَرْضُ.

(وَالتَّحِيَّةُ) مِنْ الْمَارِّ عَلَى مَنْ خَرَجَ مِنْ حَمَّامٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِنَحْوِ صَبَّحَك اللَّهُ بِالْخَيْرِ) أَوْ بِالسَّعَادَةِ أَوْ قَوَّاك اللَّهُ أَوْ طَابَ حَمَّامُك أَوْ غَيْرُهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُرْفِ (لَا أَصْلَ لَهَا) إذْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا شَيْءٌ (وَلَا جَوَابَ) لِقَائِلِهَا عَلَى الْمَدْعُوِّ لَهُ (فَإِنْ أَجَابَهُ بِالدُّعَاءِ فَحَسَنٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ تَأْدِيبَهُ) لِتَرْكِهِ السَّلَامَ فَتَرْكُ الدُّعَاءِ لَهُ حَسَنٌ.

(وَأَمَّا الطَّلْبَقَةُ) أَيْ التَّحِيَّةُ بِهَا وَهِيَ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك (فَقِيلَ بِكَرَاهَتِهَا) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ أَوْ الْعِلْمِ أَوْ مِنْ وُلَاةِ الْعَدْلِ فَالدُّعَاءُ لَهُ بِذَلِكَ قُرْبَةٌ وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ بَلْ حَرَامٌ وَكَلَامُ ابْنِ أَبِي الدَّمِ يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ.

(وَحَنْيُ الظَّهْرِ مَكْرُوهٌ) لِخَبَرِ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ قَالَ لَا قَالَ أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ قَالَ لَا قَالَ فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ قَالَ نَعَمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلَا يُغْتَرُّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَفْعَلُهُ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى عِلْمٍ وَصَلَاحٍ وَغَيْرِهِمَا وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ مِنْ جَوَازِ الِانْحِنَاءِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَلِلْمَعْرُوفِ فِي الْمَذْهَبِ وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ.

(وَالْقِيَامُ لِلدَّاخِلِ مُسْتَحَبٌّ إنْ كَانَ فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ) أَوْ شَرَفٍ (أَوْ وِلَادَةٍ) أَوْ رَحِمٍ (أَوْ وِلَايَةٍ مَصْحُوبَةٍ بِصِيَانَةٍ) أَوْ نَحْوِهَا وَيَكُونُ هَذَا الْقِيَامُ (لِلْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ) وَالِاحْتِرَامِ لَا لِلرِّيَاءِ وَالْإِعْظَامِ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بَلْ يَظْهَرُ وُجُوبُهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ دَفْعًا لِلْعَدَاوَةِ وَالتَّقَاطُعِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ دَفْعِ الْمَفَاسِدِ.

(وَيَحْرُمُ) عَلَى الدَّاخِلِ (مَحَبَّةُ الْقِيَامِ لَهُ) فَفِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ النَّاسُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَالْمُرَادُ بِتَمَثُّلِهِمْ لَهُ قِيَامًا أَنْ يَقْعُدَ وَيَسْتَمِرُّوا قِيَامًا لَهُ كَعَادَةِ الْجَبَابِرَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ وَمِثْلُهُ حُبُّ الْقِيَامِ لَهُ تَفَاخُرًا وَتَطَاوُلًا عَلَى الْأَقْرَانِ أَمَّا مَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ إكْرَامًا لَهُ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَتَّجِهُ تَحْرِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ شِعَارًا فِي هَذَا الزَّمَنِ لِتَحْصِيلِ الْمَوَدَّةِ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْعِمَادِ.

(وَتَقْبِيلُ الْيَدِ لِزُهْدٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ) كِبَرِ (سِنٍّ) أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ كَشَرَفٍ وَصِيَانَةٍ (مُسْتَحَبٌّ) اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ (وَ) تَقْبِيلُهَا (لِدُنْيَا وَثَرْوَةٍ) وَنَحْوِهِمَا كَشَوْكَةٍ وَوَجَاهَةٍ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا مَكْرُوهٌ (شَدِيدُ الْكَرَاهَةِ) .

(وَتَقْبِيلُ خَدِّ طِفْلٍ) وَلَوْ (لِغَيْرِهِ لَا يُشْتَهَى وَ) سَائِرِ (أَطْرَافِهِ) أَيْ تَقْبِيلُ كُلٍّ مِنْهَا (شَفَقَةً) وَرَحْمَةً (مُسْتَحَبٌّ) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ أَمَّا تَقْبِيلُهَا بِشَهْوَةٍ فَحَرَامٌ.

(وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ وَجْهِ الْمَيِّتِ الصَّالِحِ) لِلتَّبَرُّكِ.

(وَيُسَنُّ تَقْبِيلُ وَجْهِ صَاحِبٍ قَدِمَ مِنْ السَّفَرِ) أَوْ نَحْوِهِ (وَمُعَانَقَتُهُ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (وَيُكْرَهُ) ذَلِكَ (لِغَيْرِ الْقَادِمِ) مِنْ سَفَرٍ أَوْ نَحْوِهِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَنْيِ الظَّهْرِ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ الْوَجْهِ أَمَّا هُوَ فَيَحْرُمُ تَقْبِيلُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُعَانَقَتَهُ كَتَقْبِيلِهِ أَوْ قَرِيبَةٌ مِنْهُ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُقَبِّلُ وَالْمُقَبَّلُ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ: وَحَنْيُ الظَّهْرِ مَكْرُوهٌ) قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَنْكِيسُ الرُّءُوسِ إنْ انْتَهَى إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ فَلَا يُفْعَلُ كَالسُّجُودِ وَلَا بَأْسَ بِمَا يَنْقُصُ عَنْ حَدِّ الرُّكُوعِ لِمَنْ يُكْرِمُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَشْهَدُ لِمَا ذَكَرَهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ لَا يَجُوزُ الرُّكُوعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>