لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ حَيْثُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ» (وَجَازَ) لَهُ (الْقَبُولُ) إذْ وَلِيَ مَعَ كَرَاهَتِهِ فَلَوْ قَالَ وَالْقَبُولُ كَانَ أَوْلَى وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبْتَدِئَهُ بِالتَّوْلِيَةِ أَمَّا إذَا كَانَ الْأَفْضَلُ يَمْتَنِعُ مِنْ الْقَبُولِ فَكَالْمَعْدُومِ وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ كَرَاهَةِ مَا ذُكِرَ مَا إذَا كَانَ الْمَفْضُولُ أَطْوَعَ وَأَقْرَبَ إلَى الْقَبُولِ وَالْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا كَانَ أَقْوَى فِي الْقِيَامِ فِي الْحَقِّ (وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مِثْلُهُ وَكَانَ هَذَا مَشْهُورًا) يُنْتَفَعُ بِعِلْمِهِ (مُكَفِّيًا) بِغَيْرِ بَيْتِ الْمَالِ (كُرِهَ لَهُ طَلَبُهُ وَقَبُولُهُ) وَعَلَى هَذَا حُمِلَ امْتِنَاعُ السَّلَفِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا أَوْ مَكْفِيًّا (اُسْتُحِبَّ) لَهُ ذَلِكَ (لِيُنْتَفَعَ بِعِلْمِهِ أَوْ لِيَكْتَفِيَ) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ دُونَهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْقَبُولُ وَكَذَا الطَّلَبُ) ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبَّانِ (إذَا وَثِقَ بِنَفْسِهِ) أَمَّا عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَيْهَا فَيَحْتَرِزُ؛ لِأَنَّ أَهَمَّ الْعَزَائِمِ حِفْظُ السَّلَامَةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ حُذِفَ لَفْظَةُ كَذَا كَانَ أَوْلَى
(وَحَرُمَ) عَلَى الصَّالِحِ (لِلْقَضَاءِ طَلَبٌ) لَهُ (وَبَذْلُ مَالٍ لِعَزْلِ) قَاضٍ (صَالِحٍ) لَهُ (وَلَوْ) كَانَ (دُونَهُ وَبَطَلَتْ) بِذَلِكَ (عَدَالَتُهُ) فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ وَالْمَعْزُولُ بِهِ عَلَى قَضَائِهِ حَيْثُ لَا ضَرُورَةَ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ بِالرِّشْوَةِ حَرَامٌ وَتَوْلِيَةُ الْمُرْتَشِي لِلرَّاشِي حَرَامٌ (وَلَوْ وَجَبَ أَوْ اُسْتُحِبَّ طَلَبُهُ جَازَ بَذْلُ الْمَالِ وَ) لَكِنَّ (آخِذُهُ ظَالِمٌ) كَمَا إذَا تَعَذَّرَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إلَّا بِبَذْلِ مَالٍ فَإِنْ لَمْ يَجِبْ وَلَمْ يُسْتَحَبَّ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَذْلُ الْمَالِ لِيُوَلَّى وَيَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ لِئَلَّا يُعْزَلَ وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ لِيُوَلَّى، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ (وَكَذَا يُسْتَحَبُّ بَذْلُهُ لِعَزْلِ) قَاضٍ (غَيْرِ صَالِحٍ) لِلْقَضَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ النَّاسِ مِنْهُ لَكِنَّ آخِذَهُ ظَالِمٌ (وَلَا يَجِبُ) عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ (طَلَبٌ وَ) لَا (قَبُولٌ) لَهُ (فِي غَيْرِ بَلَدِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَتَرْكِ الْوَطَنِ وَفَارَقَ سَائِرَ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْقِيَامُ بِهَا وَالْعَوْدُ إلَى الْوَطَنِ وَالْقَضَاءُ لَا غَايَةَ لَهُ مَعَ قِيَامِ حَاجَةِ بَلَدِ الْمُتَعَيِّنِ إلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِبَلَدٍ صَالِحَانِ وَوَلِيَ أَحَدُهُمَا مَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْآخَرِ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ آخَرَ لَيْسَ بِهِ صَالِحٌ وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ الْبَلَدُ الْأُخْرَى إنْ لَمْ يَشْمَلْهَا حُكْمُ الْأَوَّلِ مَعَ انْتِفَاءِ حَاجَةِ بَلَدِهِ إلَيْهِ هَذَا وَاقْتِصَارُهُ عَلَى الْبَلَدِ مِنْ تَصَرُّفِهِ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ اعْتِبَارُ الْبَلَدِ وَالنَّاحِيَةِ وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ النَّاحِيَةُ فَقَطْ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْمِنْهَاجُ (وَإِنْ صَلَحَ) لَهُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا (جَمَاعَةٌ وَقَامَ) بِهِ (أَحَدُهُمْ سَقَطَ بِهِ الْفَرْضُ) عَنْ الْجَمِيعِ (وَإِنْ امْتَنَعُوا) مِنْهُ (أَثِمُوا) كَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ (وَأَجْبَرَ الْإِمَامُ وَاحِدًا) مِنْهُمْ عَلَيْهِ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ الْمَصَالِحُ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَاضٍ (، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ قَاضٍ) فَإِنْ كَانَ (غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ) لِلْقَضَاءِ (فَكَالْمَعْدُومِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا) لَهُ (فَطَلَبُ عَزْلِهِ حَرَامٌ) ، وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ عَزَلَ (وَوَلَّى) غَيْرَهُ (نَفَذَ لِلضَّرُورَةِ) أَيْ عِنْدَهَا، وَأُمَّا عِنْدَ تَمَهُّدِ الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَنْفُذُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فِيمَا إذَا بَذَلَ مَالًا لِذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِدُونِهِ كَذَلِكَ
(وَيُشْتَرَطُ) فِيمَنْ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ (أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا حُرًّا ذَكَرًا إذَا رَأَى مُجْتَهِدًا) أَيْ (غَيْرَ مُقَلِّدٍ) فَلَا يُوَلَّاهُ كَافِرٌ وَلَوْ عَلَى كُفَّارٍ كَمَا سَيَأْتِي لِعَدَمِ عَدَالَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] وَلَا مَنْ فِيهِ رِقٌّ لِنَقْصِهِ وَلَا أُنْثَى وَلَوْ فِيمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِيهِ إذْ لَا يَلِيقُ بِهَا مُجَالَسَةُ الرِّجَالِ وَرَفْعُ صَوْتِهَا بَيْنَهُمْ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» وَلَا خُنْثَى كَالْأُنْثَى وَلَا مُقَلِّدًا كَمَا فِي الْإِفْتَاءِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ مِنْ الْمُقَلِّدِ وَقَوْلُهُ إذَا رَأَى يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ بَعْدُ وَأَنْ يَكُونَ كَافِيًا مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ الْآتِيَةِ.
(وَالْمُجْتَهِدُ مَنْ عَلِمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَعَرَفَ) مِنْهُمَا (الْخَاصَّ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ) وَقَوْلُهُ وَالْبُلْقِينِيُّ إلَخْ وَيَلْحَقُ بِالْمَفْضُولِ فِيهِمَا الْمِثْلُ غَيْرُ الْمُحْتَاجِ وَالْحَامِلُ (قَوْلُهُ مَا إذَا كَانَ الْمَفْضُولُ أَطْوَعَ إلَخْ) أَوْ كَانَ الْأَفْضَلُ غَائِبًا أَوْ مَرِيضًا (قَوْلُهُ لِيَنْتَفِعَ بِعِلْمِهِ أَوْ لِيَكْتَفِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيُزَادُ مَا إذَا كَانَ الْمِثْلُ يَرْتَكِبُ أُمُورًا يَضْعُفُ مُدْرِكُهَا فَيُنْدَبُ لَهُ الطَّالِبُ وَقَدْ يَقْوَى الْإِيجَابُ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ يُنْقَضُ الْقَضَاءُ فِيهَا أَوْ كَانَ لَا يَقُومُ بِكِفَايَةِ النَّاسِ فِي خُصُومَاتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ إلَّا بِجَهْدٍ وَتَعَبٍ وَتَكَلُّفٍ وَرُبَّمَا تَأَخَّرَ بَعْضُ الْقَضَايَا لِلْكَثْرَةِ فَيُنْدَبُ الطَّلَبُ لِمَنْ يَقُومُ بِالْمَصَالِحِ بِحَيْثُ يَزُولُ مَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ أَمَّا عِنْدَ الْخَوْفِ فَيَحْتَرِزُ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ الْإِقْدَامِ لَكِنْ قَطَعَ فِي الذَّخَائِرِ بِوُجُوبِ الِامْتِنَاعِ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ
(قَوْلُهُ وَحَرُمَ طَلَبٌ لَهُ) أَيْ وَقَبُولٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ) تَبِعَ فِيهِ بَعْضَ النُّسَخِ السَّقِيمَةِ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الرَّوْضَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ (قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ طَلَبٌ وَلَا قَبُولٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الَّذِي نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي الْمَبْعُوثِ إلَيْهَا أَوْ بِقُرْبِهَا صَالِحٌ لِلْقَضَاءِ وَكَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ لَا رَيْبَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى الْإِمَامِ وَوُجُوبِ امْتِثَالِ أَمْرِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ ضَرَرٌ لَا يُحْتَمَلُ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ اعْتِبَارُ الْبَلَدِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِدُونِهِ كَذَلِكَ
(قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا إلَخْ) أَيْ سَمِيعًا بَصِيرًا نَاطِقًا عَدْلًا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ مُجْتَهِدًا) قَالَ الْقَفَّالُ: فِي زَمَانِهِ لَا يُوجَدُ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ، وَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ الْمُقَيَّدُ الَّذِي يَنْتَحِلُ مَذْهَبَ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ عُرِفَ مَذْهَبُهُ وَصَارَ حَاذِقًا فِيهِ بِحَيْثُ لَا يَشِذُّ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ أُصُولِ مَذْهَبِهِ أَيْ مَنْصُوصَاتِهِ بِحَيْثُ إذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَا يَعْرِفُ فِيهَا نَصًّا لِإِمَامِهِ اجْتَهَدَ فِيهَا وَخَرَّجَهُ عَلَى أُصُولِهِ وَأَفْتَى فِيهَا بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فَهَذَا أَعَزُّ مِنْ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ (قَوْلُهُ وَلَا خُنْثَى) كَالْأُنْثَى، وَإِنْ زَالَ إشْكَالُهُ وَبَانَ رَجُلًا أَمَّا إذَا بَانَتْ رُجُولِيَّتُهُ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ صَحَّ تَقْلِيدُهُ جَزْمًا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا بَانَتْ بِغَيْرِ قَوْلِهِ.
(قَوْلُهُ وَالْمُجْتَهِدُ مَنْ عَلِمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) أَيْ لَا جَمِيعِهِمَا وَأَيِّ الْأَحْكَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا خَمْسُمِائَةِ آيَةٍ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ كَمَا تُسْتَنْبَطُ مِنْ الْأَوَامِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute