(كَوْنُهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ لِلْكُتُبِ (بِأُجْرَةٍ مِثْلُ كَتْبِهِ) ذَلِكَ الْقَدْرَ لَوْ لَمْ تَكُنْ فَتْوَى لِئَلَّا يَكُونَ آخِذًا زِيَادَةً بِسَبَبِ الْإِفْتَاءِ (مَعَ كَرَاهَةٍ) لِلْإِيجَارِ لِذَلِكَ
(وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةِ) بِخِلَافِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُهُ (لَا) قَبُولُ (رِشْوَةٍ عَلَى فَتْوَى لِمَا يُرِيدُ) الْمُسْتَفْتِي كَالْحَاكِمِ (وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْرِضَ) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (الْمُدَرِّسَ وَمُفْتٍ كِفَايَتَهُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا لِيَسْتَغْنِيَ عَنْ التَّكَسُّبِ وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ مِائَةَ دِينَارٍ فِي السَّنَةِ
(وَلِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ اصْطِلَاحٌ فِي اللَّفْظِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ أَهْلُ بَلَدٍ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ) كَالْأَيْمَانِ وَالْإِقْرَارِ وَالْوَصَايَا (مَنْ لَا يَعْرِفُ اصْطِلَاحَهُمْ) هَذَا فَاعِلُ يُفْتِي وَمَفْعُولُهُ أَهْلُ
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْ الْعَامِلِ وَالْمُفْتِي عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ (الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى) فِي مَسْأَلَةٍ ذَاتِ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ (بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بَلْ عَلَيْهِ فِي الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَعْمَلَ) وَيُفْتِيَ (بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا إنْ عَلِمَهُ وَإِلَّا فَبِاَلَّذِي رَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ) إنْ رَجَّحَ شَيْئًا (وَإِلَّا لَزِمَهُ الْبَحْثُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الرَّاجِحِ فَيَعْمَلُ وَيُفْتِي بِهِ (فَإِنْ كَانَ أَهْلًا) لِلتَّرْجِيحِ أَوْ التَّخْرِيجِ (اشْتَغَلَ بِهِ مُتَعَرِّفًا ذَلِكَ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَالْمَآخِذِ) لِلشَّافِعِيِّ (وَإِلَّا تَلْقَاهُ مِنْ نَقْلَةِ الْمَذْهَبِ) أَيْ الْمَوْصُوفِينَ بِالْأَهْلِيَّةِ (فَإِنْ عَدِمَ التَّرْجِيحُ) بِأَنْ لَمْ يُحَصِّلْهُ بِطَرِيقٍ (تَوَقَّفَ) حَتَّى يُحَصِّلَهُ (وَحُكْمُ الْوَجْهَيْنِ) فِيمَا ذُكِرَ (كَالْقَوْلَيْنِ لَكِنْ لَا عِبْرَةَ بِالْمُتَأَخِّرِ) مِنْهُمَا (إلَّا إذَا وَقَعَا مِنْ شَخْصٍ) وَاحِدٍ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَنْصُوصًا وَالْآخَرُ مُخَرَّجًا فَالْمَنْصُوصُ هُوَ الرَّاجِحُ الْمَعْمُولُ بِهِ غَالِبًا كَمَا إذَا رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ بَلْ هَذَا أَوْلَى (فَإِنْ اخْتَلَفُوا) أَيْ الْأَصْحَابُ (فِي الْأَرْجَحِ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ (وَلَمْ يَكُنْ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْعَامِلِ وَالْمُفْتِي عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ (أَهْلًا لِلتَّرْجِيحِ اعْتَمَدَ مَا صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُ وَالْأَعْلَمُ) إنْ صَحَّحُوا شَيْئًا (وَإِلَّا تَوَقَّفَ) هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ فِي الْعَامِلِ وَقِيَاسُ مَا مَرَّ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْبَحْثُ عَنْ الرَّاجِحِ.
وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ اعْتَمَدَ مَا صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُ وَالْأَعْلَمُ وَالْأَوْرَعُ فَإِنْ تَعَارَضَ أَعْلَمُ وَأَوْرَعُ قُدِّمَ الْأَعْلَمُ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ عَنْ أَحَدٍ تَرْجِيحٌ اعْتَبَرَ صِفَاتِ النَّاقِلِينَ لِلْقَوْلَيْنِ وَالْقَائِلِينَ لِلْوَجْهَيْنِ فَمَا رَوَاهُ الْبُوَيْطِيُّ وَالْمُزَنِيِّ وَالرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا رَوَاهُ الرَّبِيعُ الْجِيزِيُّ وَحَرْمَلَةُ وَيَتَرَجَّحُ أَيْضًا مَا وَافَقَ أَكْثَرُ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ وَكَذَا مَا وَافَقَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ مَثَلًا إنْ لَمْ يَجِدْ مُرَجِّحًا مِمَّا مَرَّ وَلَوْ تَعَارَضَ جَزْمُ مُصَنَّفَيْنِ فَكَتَعَارُضِ الْوَجْهَيْنِ فَيُرْجَعُ إلَى الْبَحْثِ كَمَا مَرَّ وَكَذَا يُرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ فَلَوْ جَزَمَ مُصَنِّفَانِ بِشَيْءٍ وَثَالِثٌ مُسَاوٍ لِأَحَدِهِمَا بِخِلَافِهِ رَجَّحْنَاهُمَا عَلَيْهِ وَنَقْلُ الْعِرَاقِيِّينَ نُصُوصَ الشَّافِعِيِّ وَقَوَاعِدَ مَذْهَبِهِ وَوُجُوهَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَتْقَنُ وَأَثْبَتُ مِنْ نَقْلِ الْخُرَاسَانِيِّينَ غَالِبًا إنْ لَمْ يَكُنْ دَائِمًا وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُرَجَّحَ بِهِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ كَوْنُ الشَّافِعِيِّ ذَكَرَهُ فِي بَابِهِ وَمَظِنَّتِهِ وَالْآخَرُ مُسْتَطْرِدٌ فِي بَابٍ آخَرَ انْتَهَى مُلَخَّصًا (وَالْعَمَلُ) يَكُونُ (بِالْجَدِيدِ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) لَا بِالْقَدِيمِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَرْجُوعٌ عَنْهُ (إلَّا فِي نَحْوِ ثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فِي نَحْوِ عِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً بَيَّنْتهَا فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَالْمَذْكُورُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَسْأَلَةً.
فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِعِشْرِينَ بَدَلَ ثَلَاثِينَ كَانَ أَوْلَى (وَإِنْ كَانَ فِي الرُّقْعَةِ مَسَائِلُ رَتَّبَ) الْمُفْتِي (الْأَجْوِبَةَ عَلَى تَرْتِيبِهَا وَيُكْرَهُ) لَهُ (أَنْ يَقْتَصِرَ) فِي جَوَابِهِ (عَلَى قَوْلِهِ فِيهِ قَوْلَانِ) أَوْ وَجْهَانِ أَوْ خِلَافٌ أَوْ رِوَايَتَانِ أَوْ نَحْوُهَا (إذْ لَا يُفِيدُ) جَوَابًا لِلْمُسْتَفْتِي بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَجْزِمَ لَهُ بِالرَّاجِحِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ انْتَظَرَ ظُهُورَهُ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِفْتَاءِ كَمَا فَعَلَهُ كَثِيرٌ (وَلَا يُطْلَقُ) الْجَوَابُ (حَيْثُ) وُجِدَ فِي الْمَسْأَلَةِ (التَّفْصِيلُ فَهُوَ) أَيْ الْإِطْلَاقُ حِينَئِذٍ (خَطَأٌ) اتِّفَاقًا (وَيُجِيبُ عَلَى مَا فِي الرُّقْعَةِ لَا عَلَى مَا يَعْلَمُهُ) مِنْ صُورَةِ الْوَاقِعَةِ (فَإِنْ أَرَادَهُ) أَيْ الْجَوَابَ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ (قَالَ إنْ أَرَادَ كَذَا فَجَوَابُهُ كَذَا) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَا فِي الرُّقْعَةِ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُسْتَفْتِي لِخَبَرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَإِذَا كَتَبَ الْجَوَابَ أَعَادَ نَظَرَهُ فِيهِ وَتَأَمَّلَهُ (وَيُجِيبُ) الْمُفْتِي (الْأَوَّلُ فِي النَّاحِيَةِ الْيُسْرَى) مِنْ الرُّقْعَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ (وَإِنْ شَاءَ) أَجَابَ (غَيْرَهَا) أَيْ فِي غَيْرِهَا وَلَوْ فِي الْحَاشِيَةِ (لَا قَبْلَ الْبَسْمَلَةِ) أَيْ فَوْقَهَا
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِفْتَاءِ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَيُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَحْمَدَهُ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَيَقْرَأَ {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه: ٢٥] الْآيَةَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ أَوْ نَحْوَهَا (وَلْيَكْتُبْ) أَوَّلَ فَتْوَاهُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ)
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ إلَّا فِي نَحْوِ ثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً) قَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَدْ تُتَبَّعَ مَا أَفْتَى بِهِ بِالْقَدِيمِ فَوُجِدَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَيْضًا (قَوْلًا بِالْقَدِيمِ مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ مَرْجُوعٌ عَنْهُ الْقَدِيمَ إنَّمَا هُوَ مَرْجُوعٌ عَنْهُ إذَا نَصَّ فِي الْجَدِيدِ عَلَى خِلَافِهِ وَأَشَارَ إلَى الرُّجُوعِ عَنْهُ وَكَذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى النَّصِّ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَنُصَّ فِي الْجَدِيدِ عَلَى خِلَافِهِ فَالْفَتْوَى عَلَيْهِ وَلَيْسَ مَرْجُوعًا عَنْهُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ الرُّجُوعُ عَنْ كُلِّ مَا قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى وَفْقِهِ فِي الْجَدِيدِ فَإِنَّهُ عَسَّلَهُ وَقَالَ لَيْسَ فِي حِلِّ مَنْ رَوَاهُ عَنِّي كَمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ بْنُ الْفِرْكَاحِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفَتْوَى فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرِينَ خَالَفُوا فِي مُعْظَمِهَا فَأَفْتَوْا فِيهَا بِالْجَدِيدِ؛ وَلِأَنَّ فِي أَكْثَرِهَا قَوْلًا جَدِيدًا مُوَافِقًا لِلْقَدِيمِ فَالْفَتْوَى إنَّمَا هِيَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَا يُطْلِقُ حَيْثُ التَّفْصِيلُ) فَهُوَ خَطَأٌ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى جَوَابِ أَحَدِ الْأَقْسَامِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ الْوَاقِعُ لِلسَّائِلِ ثُمَّ يَقُولُ هَذَا إذَا كَانَ كَذَا وَكَذَا وَأَنْ يُفَصِّلَ جَوَابِ كُلِّ قِسْمٍ
(قَوْلُهُ وَيَقْرَأُ {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه: ٢٥] الْآيَةَ) {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: ٣٢]