فِي الْقُلُوبِ فَلَوْ اقْتَصَرَ الْيَوْمُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُطِعْ وَتَعَطَّلَتْ الْأُمُورُ (وَيُرْزَقُ) الْإِمَامُ أَيْضًا (مِنْهُ) أَيْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (كُلَّ مَنْ كَانَ عَمَلُهُ مَصْلَحَةً عَامَّةً لِلْمُسْلِمِينَ كَالْأَمِيرِ وَالْمُفْتِي وَالْمُحْتَسِبِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ) لِلصَّلَاةِ (وَمُعَلِّمِ الْقُرْآنِ) وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ (وَالْقَاسِمِ وَالْمُقَوِّمِ وَالْمُتَرْجِمِ وَكُتَّابِ الصُّكُوكِ) وَقَوْلُهُ (وَنَحْوِ ذَلِكَ) أَيْ كَالْمُسْمِعِينَ وَالْمُزَكِّينَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا خَفَاءَ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَجِدْ مُتَبَرِّعًا بِذَلِكَ يَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ لَمْ يُعَيِّنْ) أَيْ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ (قَاسِمًا وَلَا كَاتِبًا) وَلَا مُقَوِّمًا وَلَا مُتَرْجِمًا وَلَا مُسْمِعًا وَلَا مُزَكِّيًا كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَذَلِكَ لِئَلَّا يُغَالُوا بِالْأُجْرَةِ
(وَ) مِنْ الْآدَابِ أَنْ (يَتَّخِذَ الْقَاضِي) لِلْقَضَاءِ (مَجْلِسًا فَسِيحًا) أَيْ وَاسِعًا لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِضِيقِهِ الْحَاضِرُونَ (نَزِهًا عَمَّا يُؤْذِي) مِنْ حَرٍّ وَبَرْدٍ وَرِيحٍ وَنَحْوِهَا فَيَجْلِسُ فِي الصَّيْفِ حَيْثُ يَلِيقُ وَفِي الشِّتَاءِ وَزَمَنِ الرِّيَاحِ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْأَصْلِ بَارِزًا أَيْ ظَاهِرًا لِيَعْرِفَهُ مَنْ يَرَاهُ وَيَصِلُ إلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ هَذَا إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ فَإِنْ تَعَدَّدَ وَحَصَلَ زِحَامٌ اتَّخَذَ مَجَالِسَ بِعَدَدِ الْأَجْنَاسِ فَلَوْ اجْتَمَعَ رِجَالٌ وَخَنَاثَى وَنِسَاءٌ اتَّخَذَ ثَلَاثَةَ مَجَالِسَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ (وَ) أَنْ (يَجْلِسَ عَلَى مُرْتَفِعٍ) كَدِكَّةٍ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَى النَّاسِ وَعَلَيْهِمْ الْمُطَالَبَةُ (وَ) أَنْ (يَتَمَيَّزَ) عَنْ غَيْرِهِ (بِفِرَاشٍ وَوِسَادَةٍ) وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالزُّهْدِ وَالتَّوَاضُعِ لِيَعْرِفَهُ النَّاسُ وَلِيَكُونَ أَهْيَبَ لِلْخُصُومِ وَأَرْفَقَ بِهِ فَلَا يَمَلُّ (وَ) أَنْ (يَسْتَقْبِلَ) الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْمَجَالِسِ كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ (وَ) أَنْ (لَا يَتَّكِئَ) بِغَيْرِ عُذْرٍ (وَيُكْرَهُ الْحُكْمُ فِي الْمَسَاجِدِ) أَيْ اتِّخَاذُهَا مَجَالِسَ لَهُ صَوْنًا لَهَا عَنْ ارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ وَاللَّغَطِ الْوَاقِعَيْنِ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ عَادَةً وَقَدْ يَحْتَاجُ لِإِحْضَارِ الْمَجَانِينِ وَالصِّغَارِ وَالْحُيَّضِ وَالْكُفَّارِ وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ فِيهَا أَشَدُّ كَرَاهَةً (لَا) الْحُكْمُ (فِيمَا اتَّفَقَ حَالَ دُخُولِهِ) لَهَا أَيْ وَقْتَ حُضُورِهِ فِيهَا الصَّلَاةَ أَوْ غَيْرَهَا فَلَا يُكْرَهُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَلَا فِيمَا إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا لِعُذْرٍ مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يُكْرَهُ الْجُلُوسُ فِيهَا لِلْحُكْمِ (فَإِنْ جَلَسَ) لَهُ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْ دُونِهَا (مَنَعَ الْخُصُومَ مِنْ الْخَوْضِ فِيهِ) بِالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَنَحْوِهِمَا (وَوَقَّفَ غَيْرَ الْخَصْمَيْنِ) السَّابِقَيْنِ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ (خَارِجَهُ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ لَمْ يُمَكِّنْ الْخُصُومَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ فِيهِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَنَحْوِهَا بَلْ يَقْعُدُونَ خَارِجَهُ وَيُنَصِّبُ مَنْ يُدْخِلُ عَلَيْهِ خَصْمَيْنِ خَصْمَيْنِ (وَلَا يَقْضِي) أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يَقْضِيَ (فِي حَالِ تَغَيُّرِ الْخُلُقِ بِنَحْوِ غَضَبٍ وَجُوعٍ وَامْتِلَاءٍ) أَيْ شِبَعٍ (مُفْرِطَيْنِ وَمَرَضٍ مُؤْلِمٍ وَخَوْفٍ مُزْعِجٍ وَحُزْنٍ وَفَرَحٍ شَدِيدَيْنِ وَمُدَافَعَةِ خُبْثٍ) وَغَلَبَةِ نُعَاسٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَهُوَ غَضْبَانُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ «لَا يَقْضِي الْقَاضِي» وَفِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ «لَا يَقْضِي الْقَاضِي، وَهُوَ غَضْبَانُ مَهْمُومٌ وَلَا مُصَابٌ مَحْزُونٌ وَلَا يَقْضِي وَهُوَ جَائِعٌ» قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَجَالٌ وَغَيْرِهِ لَمْ يَبْعُدُ نَقْلُهُ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الزَّرْكَشِيّ وَاعْتَمَدَهُ وَاسْتَثْنَى الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْغَضَبَ لِلَّهِ تَعَالَى وَاسْتَغْرَبَهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْمُعْتَمَدُ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ الْغَضَبَ لِلَّهِ يُؤْمَنُ مَعَهُ التَّعَدِّي بِخِلَافِ الْغَضَبِ لِحَظِّ النَّفْسِ.
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الرَّاجِحُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَالْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ وَكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ تَشْوِيشُ الْفِكْرِ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ نَعَمْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْحُكْمِ فِي الْحَالِ وَقَدْ يَتَعَيَّنُ الْحُكْمُ عَلَى الْفَوْرِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ (فَإِنْ قَضَى) مَعَ تَغَيُّرِ خُلُقِهِ (نَفَذَ) قَضَاؤُهُ لِقَضِيَّةِ الزُّبَيْرِ الْمَشْهُورَةِ (وَيُكْرَهُ) لَهُ إذَا جَلَسَ لِلْحُكْمِ (حَاجِبٌ) أَيْ نَصْبُهُ (حَيْثُ لَا زَحْمَةَ) لِخَبَرِ «مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ شَيْئًا فَاحْتَجَبَ عَنْهُمْ حَجَبَهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ «أَيُّمَا أَمِيرٍ احْتَجَبَ عَنْ النَّاسِ فَأَهَمَّهُمْ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ لِلْحُكْمِ بِأَنْ كَانَ فِي وَقْتِ خَلَوَاتِهِ أَوْ كَانَ ثَمَّ زَحْمَةٌ لَمْ يُكْرَهْ نَصْبُهُ وَالْبَوَّابُ، وَهُوَ مَنْ يَقْعُدُ بِالْبَابِ لِلْإِحْرَازِ كَالْحَاجِبِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَيُرْزَقُ مِنْهُ كُلُّ مَنْ كَانَ عَمَلُهُ إلَخْ) قَدْرَ كِفَايَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ (قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا خَفَاءَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ
(قَوْلُهُ وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ) ثُمَّ يَدْعُو اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك أَنْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ أَوْ أَعْتَدِي أَوْ يُعْتَدَى عَلَيَّ اللَّهُمَّ اغْنَنِي بِالْعِلْمِ وَزَيِّنِّي بِالْحِلْمِ وَأَكْرِمْنِي بِالتَّقْوَى وَجَمِّلْنِي بِالْعَافِيَةِ حَتَّى لَا أَنْطَلِقَ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا أَقْضِيَ إلَّا بِالْعَدْلِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْحُكْمُ فِي الْمَسَاجِدِ لَا فِيمَا اتَّفَقَ إلَخْ) حُكْمُ نِيَّتِهِ كَحُكْمِ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ صَوْنًا لَهَا عَنْ ارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ وَحُدُودَكُمْ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ» (قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي فِي حَالِ تَغَيُّرِ الْخُلُقِ إلَخْ) الْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونَ فِي حَالٍ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ اسْتِيفَاءِ الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ بِحَيْثُ يَكُونُ سَاكِنَ النَّفْسِ مُعْتَدِلَ الْأَحْوَالِ لِيَقْدِرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي النَّوَازِلِ وَيُحْتَرَزُ مِنْ الزَّلَلِ فِي الْأَحْكَامِ (قَوْلُهُ بِنَحْوِ غَضَبٍ) إذَا كَانَ الْغَضَبُ يُخْرِجُهُ عَنْ طَرِيقِ الِاسْتِقَامَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَفِي نَصِّ الْأُمِّ مَا يَشْهَدُ لَهُ ذِكْرُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ، وَهُوَ غَضْبَانُ وَلَا مُتَغَيِّرُ الْحَالِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ فِي حَالَةٍ مُزْعِجَةٍ كَالْغَضَبِ وَقَوْلُهُ وَفِي نَصِّ الْأُمِّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَلَوْ فَرَّقَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ) فِي قَوَاعِدِهِ إلْزَامُ الْحُكْمِ فِي الْمَعْلُومِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ لَا يُكْرَهُ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ) لَا جُرْمَ قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْفَرْقَ عَنْ بَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهَذَا غَرِيبٌ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ ثَمَّ زَحْمَةٌ لَمْ يُكْرَهْ نَصْبُهُ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَجِبُ فِي الْحَاجِبِ ثَلَاثَةٌ الْعَدَالَةُ وَالْعِفَّةُ وَالْأَمَانَةُ وَيُسْتَحَبُّ فِيهِ خَمْسَةٌ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الْمَنْظَرِ جَمِيلَ الْمَخْبَرِ عَارِفًا بِمَقَادِيرِ النَّاسِ بَعِيدًا مِنْ الْهَوَى وَالْعَصَبِيَّةِ مُعْتَدِلَ الْأَخْلَاقِ بَيْنَ الشَّرِسَةِ وَاللِّينِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute