للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَرْجِيحِ الثَّانِي حَيْثُ قَالَ بَعْدَ حِكَايَةِ الْوَجْهَيْنِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ مَا يُعْتَمَدُ فِيهِ عَلَى إخْرَاجِ الْكَعْبَيْنِ فَكَالنَّرْدِ أَوْ عَلَى الْفِكْرِ فَكَالشِّطْرَنْجِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْهُ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ فِيهِمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْتَمَدُ فِيهِ عَلَى الْفِكْرِ لَا عَلَى شَيْءٍ يُرْمَى

(فَرْعٌ اتِّخَاذُ الْحَمَامِ) لِلْبَيْضِ أَوْ الْفَرْخِ أَوْ الْأُنْسِ أَوْ حَمْلِ الْكُتُبِ (مُبَاحٌ وَيُكْرَهُ اللَّعِبُ بِهِ) بِالتَّطْيِيرِ وَالْمُسَابَقَةِ وَلَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ (فَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهِ قِمَارٌ) أَوْ نَحْوُهُ (رُدَّتْ الشَّهَادَةُ) بِهِ كَالشِّطْرَنْجِ فِيهِمَا

(فَرْعٌ الْغِنَاءُ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَالْمَدِّ (وَسَمَاعُهُ) يَعْنِي اسْتِمَاعَهُ (بِلَا آلَةٍ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (مَكْرُوهٌ) لِمَا فِيهِ مِنْ اللَّهْوِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: ٦] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ هُوَ الْغِنَاءُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَإِنَّمَا لَمْ يُحَرَّمَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ «قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جِوَارِي الْأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أَبَا بَكْرٍ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدٌ وَهَذَا عِيدُنَا» (وَ) اسْتِمَاعُهُ بِلَا آلَةٍ (مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ أَشَدُّ) كَرَاهَةً (فَإِنْ خِيفَ) مِنْ اسْتِمَاعِهِ مِنْهَا أَوْ مِنْ أَمْرَدَ (فِتْنَةٌ فَحَرَامٌ قَطْعًا وَالْحِدَاءُ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَالْمَدِّ وَهُوَ مَا يُقَالُ خَلْفَ الْإِبِلِ مِنْ رَجَزٍ وَغَيْرِهِ (مُبَاحٌ) بَلْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ مَنْدُوبٌ لِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَنْشِيطِهَا لِلسَّيْرِ وَتَنْشِيطِ النُّفُوسِ وَإِيقَاظِ النُّوَامِ (وَتَحْسِينُ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ مَسْنُونٌ) كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ (وَلَا بَأْسَ بِالْإِدَارَةِ) لِلْقِرَاءَةِ بِأَنْ يَقْرَأَ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ قِطْعَةً ثُمَّ الْبَعْضُ قِطْعَةً بَعْدَهَا.

قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَا بَأْسَ بِتَرْدِيدِ الْآيَةِ لِلتَّدَبُّرِ وَلَا بِاجْتِمَاعِ الْجَمَاعَةِ فِي الْقِرَاءَةِ (وَ) لَا (قِرَاءَتِهِ بِالْأَلْحَانِ) إنْ لَمْ يُفْرِطْ (فَإِنْ أَفْرَطَ) فِي الْمَدِّ وَالْإِشْبَاعِ (حَتَّى وَلَّدَ) حُرُوفًا (أَوْ أَسْقَطَ حُرُوفًا) بِأَنْ وَلَّدَهَا (مِنْ الْحَرَكَاتِ) فَتَوَلَّدَ مِنْ الْفَتْحَةِ أَلِفٌ وَمِنْ الضَّمَّةِ وَاوٌ وَمِنْ الْكَسْرَةِ يَاءٌ أَوْ أَدْغَمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِدْغَامِ (حَرُمَ) وَيُفَسَّقُ بِهِ الْقَارِئُ وَيَأْثَمُ الْمُسْتَمِعُ لِأَنَّهُ عَدَلَ بِهِ عَنْ نَهْجِهِ الْقَوِيمِ نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ (وَيُسَنُّ تَرْتِيلُهُ وَتَدَبُّرُهُ) لِلْقِرَاءَةِ وَالْبُكَاءُ عِنْدَهَا (وَاسْتِمَاعُ) شَخْصٍ (حَسَنِ الصَّوْتِ) كَمَا مَرَّتْ فِي الْأَحْدَاثِ (وَالْمُدَارَسَةُ) وَهِيَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى غَيْرِهِ وَيَقْرَأَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ لِخَبَرِ «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَيُسَنُّ الْجُلُوسُ فِي حِلَقِ الْقِرَاءَةِ (وَأَمَّا الْغِنَاءُ عَلَى الْآلَةِ الْمُطْرِبَةِ كَالطُّنْبُورِ وَالْعُودِ وَسَائِرٍ الْمَعَازِفِ) أَيْ الْمَلَاهِي (وَالْأَوْتَارِ) وَمَا يُضْرَبُ بِهِ (وَالْمِزْمَارِ) الْعِرَاقِيِّ وَهُوَ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ مَعَ الْأَوْتَارِ (وَكَذَا الْيَرَاعُ) وَهُوَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

إلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ تَحْرِيمُ اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ وَأَنَّهُ يُفَسَّقُ بِهِ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَهَكَذَا اللَّعِبُ بِالْأَرْبَعَةِ عَشَرَ الْمُفَوِّضَةُ إلَى الْكِعَابِ وَمَا ضَاهَاهَا فَهِيَ فِي حُكْمِ النَّرْدِ فِي التَّحْرِيمِ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى جَعْلِهِمَا كَالنَّرْدِ اقْتَصَرَ فِي الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَالْحَاوِي وَلَفْظُهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ إنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ تَحْرِيمُ اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ وَهَكَذَا اللَّعِبُ بِالْأَرْبَعَةِ عَشَرَ الْمُفَوِّضَةُ إلَى الْكِعَابِ وَمَا ضَاهَاهَا فَهِيَ فِي حُكْمِ النَّرْدِ فِي التَّحْرِيمِ قُلْت وَقَضِيَّةُ هَذَا وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ تَحْرِيمُ اللَّعِبِ بِمَا تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ الطَّابَ وَالدُّكَّ فَإِنَّ الِاعْتِمَادَ فِيهِ عَلَى مَا تُخْرِجُهُ الْقُضْبَانُ الْأَرْبَعَةُ غ وَمِمَّا أَظْهَرَهُ الْمَرَدَةُ لِلتَّرْكِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ أَوْرَاقًا مُقَصَّصَةً مُزَوَّقَةً بِأَنْوَاعٍ مِنْ النُّقُوشِ يُسَمُّونَهَا كَنَجَفَةٍ يَلْعَبُونَ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ عَلَى عِوَضٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا فَقِمَارٌ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَالنَّرْدِ وَنَحْوِهِ لِمَا سَبَقَ مِنْ التَّوْجِيهِ غ ر وَقَوْلُهُ قُلْت وَقَضِيَّةُ هَذَا إلَخْ تَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّ الظَّاهِرَ التَّحْرِيمُ

(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ اللَّعِبُ بِهِ) قَالَ الْحَلِيمِيُّ وَيَحْرُمُ التَّحْرِيشُ بَيْنَ الْكِلَابِ وَالدُّيُوكِ لِمَا فِيهِ مِنْ إيلَامِ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ وَقَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ فِي أَدَبِ الشُّهُودِ وَيَحْرُمُ تَرْقِيصُ الْقُرُودِ لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا لَهُمْ وَفِي مَعْنَاهُ الْهِرَاشُ بَيْنَ الدِّيكَيْنِ وَالنِّطَاحُ بَيْنَ الْكَبْشَيْنِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّفَرُّجُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمُحَرَّمَةِ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً لَهُمْ عَلَى الْحَرَامِ وَكَذَلِكَ عَلَى مَنْ يَلْعَبُ بِالْعُصْفُورِ وَيَجْمَعُ النَّاسَ عَلَيْهَا وَيَحْرُمُ اللَّعِبُ بِالْحَاثِّ وَمَشْيُ الْبَهْلَوَانِ عَلَى الْحَبْلِ وَاللَّعِبُ بِالْجُلُودِ الْمُقَصَّصَةِ فِي ضَوْءِ السِّرَاجِ الْمُسَمَّى بِخَيَالِ الظِّلِّ قَالَ شَيْخُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلَّعِبِ بِالْحَيَّاتِ وَمَشْيُ الْبَهْلَوَانِ كَرُكُوبِ الْبَحْرِ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ جَازَ وَإِلَّا حَرُمَ

(قَوْلُهُ الْغِنَاءُ وَسَمَاعُهُ بِلَا آلَةٍ مَكْرُوهٌ) وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْهُ صِنَاعَةً وَالْقِيَاسُ فِي الْغِنَاءِ الْمَضْمُومِ لِلْآلَةِ الْمُحَرَّمَةِ بَقَاءُ الْكَرَاهَةِ فِي الْغِنَاءِ وَلَا يَخْفَى تَحْرِيمُهُ حَيْثُ كَانَ السَّمَاعُ مِنْ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ أَمْرَدَ وَخَشِيَ الْفِتْنَةَ فِيهِمَا (قَوْلُهُ فَإِنْ خِيفَ فِتْنَةً فَحَرَامٌ) وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الْبَيْعِ وَالْغَصْبِ وَالصَّدَاقِ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ بِلَا آلَةٍ تَحْرِيمَهُ مَعَ الْآلَةِ كَمَا سَيَأْتِي لَكِنَّ الْقِيَاسَ تَحْرِيمُ الْآلَةِ فَقَطْ وَبَقَاءُ الْغِنَاءِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ فِي الشِّطْرَنْجِ (قَوْلُهُ أَوْ أَمْرَدَ) أَيْ جَمِيلٍ (قَوْلُهُ نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ) وَقَالَ الشَّاشِيُّ فِي الْحِيلَةِ فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ فَأَبَاحَهَا قَوْمٌ وَحَظَرَهَا آخَرُونَ وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ التَّفْصِيلَ وَإِنَّهَا إنْ كَانَتْ بِأَلْحَانٍ لَا تُغَيِّرُ الْحُرُوفَ عَنْ نَظْمِهَا جَازَ وَإِنْ غَيَّرَتْ الْحُرُوفَ إلَى الزِّيَادَةِ فِيهَا لَمْ تَجُزْ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ مُسْتَحَبَّةٌ مَا لَمْ يُزِلْ حَرْفًا عَنْ حَرَكَتِهِ أَوْ يُسْقِطُ فَإِنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ (قَوْلُهُ وَسَائِرِ الْمَعَازِفِ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لَيَكُونَنَّ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحُرَّ وَالْخَمْرَ وَالْحَرِيرَ وَالْمَعَازِفَ» وَلِأَنَّهَا تَدْعُو إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ لَا سِيَّمَا مَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِهِ وَلِأَنَّ التَّشَبُّهَ بِأَهْلِ الْمَعَاصِي حَرَامٌ وَمِنْ الْمَعَازِفِ الرَّبَابُ وَالْجُنْكُ وَالْكَمَنْجَةُ.

(قَوْلُهُ وَكَذَا الْيَرَاعُ) وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَيَزْعُمُ أَنَّ الشَّبَّابَةَ حَلَالٌ وَيَحْكِيهِ وَجْهًا فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَلَا أَصْلَ لَهُ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُ قَالُوا بِحُرْمَةِ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْمَزَامِيرِ وَالشَّبَّابَةُ مِنْهَا بَلْ هِيَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهَا بِالتَّحْرِيمِ فَقَدْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إنَّهَا مِنْ أَعْلَى الْمَزَامِيرِ وَكُلُّ مَا لِأَجْلِهِ حُرِّمَتْ الْمَزَامِيرُ مَوْجُودٌ فِيهَا وَزِيَادَةً فَتَكُونُ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ (قُلْت)

<<  <  ج: ص:  >  >>