وَأَنْتَ تَعْلَمُ ذَلِكَ (فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ) لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ لَا يَعْلَمُ وُجُودَهُ وَعَدَمُ الْعِلْمِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْعَدَمَ وَلِأَنَّ النَّفْيَ الْمُطْلَقَ يَعْسُرُ الْوُقُوفُ عَلَى سَبَبِهِ وَلِهَذَا لَا يَشْهَدُ عَلَى النَّفْيِ الْمَحْضِ بِخِلَافِ الْحَلِفِ عَلَى الْإِثْبَاتِ مُطْلَقًا لِسُهُولَةِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ وَبِخِلَافِهِ فِي نَفْيِ فِعْلِهِ لِإِحَاطَتِهِ بِحَالِ نَفْسِهِ (وَلَا يُكَلِّفُهُ) أَيْ مَنْ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ (الْقَاضِي الْبَتَّ) أَيْ الْحَلِفُ عَلَيْهِ فَلَوْ حَلَّفَهُ عَلَيْهِ فَقَدْ ظَلَمَ لَكِنْ يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ نَفْيِ الْعِلْمِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ كَمَا إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ إلَّا فُلَانٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَتُحْمَلُ عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِمْ بِوَارِثٍ غَيْرِهِ (بِخِلَافِ) قَوْلِهِ (أَتْلَفَ عَلَيَّ عَبْدُك أَوْ بَهِيمَتُك) كَذَا وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ (فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ) لِأَنَّ عَبْدَهُ مَالُهُ وَفِعْلَهُ كَفِعْلِهِ وَلِذَلِكَ سُمِعَتْ الدَّعْوَى بِذَلِكَ عَلَيْهِ وَضَمَانُ الْبَهِيمَةِ إنَّمَا هُوَ بِتَقْصِيرِهِ فِي حِفْظِهَا لَا بِفِعْلِهَا.
(وَإِنْ ادَّعَى) عَلَيْهِ دَيْنًا (عَلَى مُوَرِّثِهِ فَلْيَذْكُرْ) مَعَ ذِكْرِ الدَّيْنِ وَوَصْفِهِ (مَوْتَهُ وَحُصُولِ التَّرِكَةِ بِيَدِهِ وَأَنَّهُ عَالِمٌ بِدَيْنِهِ) عَلَى مُوَرِّثِهِ (فَيَحْلِفُ) فِي الْمَوْتِ وَالدَّيْنِ (عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَفِي عَدَمِ حُصُولِ التَّرِكَةِ) بِيَدِهِ (عَلَى الْبَتِّ وَلَوْ أَنْكَرَ الدَّيْنَ وَالتَّرِكَةَ مَعًا وَأَرَادَ الْحَلِفَ عَلَى نَفْيِ التَّرِكَةِ) فَقَطْ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (تَحْلِيفُهُ مَعَهَا) أَيْ التَّرِكَةِ أَيْ مَعَ حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ حُصُولِهَا بِيَدِهِ (عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالدَّيْنِ) لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي إثْبَاتِ الدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْوَارِثِ شَيْءٌ فَلَعَلَّهُ يَظْفَرُ بِوَدِيعَةٍ أَوْ دَيْنٍ لِلْمَيِّتِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ حَقَّهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفْهِمُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ لَا تَرِكَةَ لِلْمَيِّتِ كَانَ لَهُ التَّحْلِيفُ لِلْغَرَضِ الْمَذْكُورِ وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِمَّا مَرَّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الدَّعْوَى بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ أَوْ عَلَى الْمُعْسِرِ قَالَ وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْمُدَّعِيَ يَقُولُ وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِكَذَا ظَاهِرٌ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ (وَيَجُوزُ الْحَلِفُ عَلَى الْبَتِّ بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ كَخَطِّ أَبِيهِ) الثِّقَةِ وَخَطِّهِ بِأَنَّ لَهُ عَلَى زَيْدٍ كَذَا (وَنُكُولِ خَصْمِهِ) عَنْ الْحَلِفِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ حَيْثُ يَمْتَنِعُ فِيهِمَا اعْتِمَادُ الْخَطِّ لِأَنَّ خَطَرَهُمَا عَظِيمٌ كَمَا مَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ مَعَ زِيَادَةٍ فِي بَابِ آدَابِ الْقَضَاءِ.
(وَيُعْتَبَرُ) فِي صِحَّةِ الْحَلِفِ (نِيَّةُ الْقَاضِي الْمُسْتَحْلِفِ) وَاعْتِقَادُهُ لَا نِيَّةُ الْحَالِفِ وَاعْتِقَادُهُ لِئَلَّا تَبْطُلَ فَائِدَةُ الْأَيْمَانِ وَتَضِيعَ الْحُقُوقُ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ» وَحُمِلَ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّهُ الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِحْلَافِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ لِيَشْمَلَ الْإِمَامَ وَالْمُحَكَّمَ وَغَيْرَهُمَا مِمَّنْ يَصِحُّ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ (فَلَا يَدْفَعُ الْإِثْمَ) أَيْ إثْمَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ (بِتَأْوِيلٍ وَاسْتِثْنَاءٍ) كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ (وَنَحْوُهُ) كَشَرْطِ وَصْلِهِ بِالْيَمِينِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ الْقَاضِي عَلَى خِلَافِ نِيَّتِهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالِفُ مُحِقًّا لِمَا نَوَاهُ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
أَخْذِهِ مِمَّا أَطْلَقُوهُ هُنَا هُنَا تَوَقُّفْ وَقَوْلُهُ أَهْوَ كَمَا لَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ ذَلِكَ) مَحَلُّهُ إذَا عَلِمَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَسِعْهُ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ بَهِيمَتِك) الْمُرَادُ بَهِيمَةٌ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِلْكَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِعْلَهُ كَفِعْلِهِ) وَمِنْهُ حَلَفَ بَائِعُ الرَّقِيقِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ عَالِمٌ بِدِينِهِ) وَهَكَذَا كُلُّ مَا يَحْلِفُ الْمُنْكِرُ فِيهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ يُشْتَرَطُ فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِ التَّعَرُّضُ لَهُ (قَوْلُهُ وَفِي عَدَمِ حُصُولِ التَّرِكَةِ بِيَدِهِ عَلَى الْبَتِّ) فَإِذَا حَلَفَ كَذَلِكَ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ مُدَّعٍ آخَرُ هَلْ يَكُونُ مَانِعًا مِنْ إعَادَةِ التَّحْلِيفِ أَوْ لَا أَجَبْت بِالْأَوَّلِ لِثُبُوتِ عَدَمِ وَضْعِهِ يَدِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ وَقَدْ أَوْضَحَتْهُ فِي الْفَتَاوَى وَإِنْ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ بِخِلَافِهِ (قَوْلُهُ كَانَ لَهُ التَّحْلِيفُ لِلْغَرَضِ الْمَذْكُورِ) لَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُهُ (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِمَّا مَرَّ فِي الْكَلَامِ إلَخْ) ثُمَّ رَأَيْت شُرَيْحًا قَالَ فِي رَوْضَتِهِ وَإِنْ جَحَدَ الدَّيْنَ وَالتَّرِكَةَ حَلَفَ مَا يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ عَلَى أَبِيهِ شَيْئًا وَمَا وَصَلَ إلَى يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ تَرِكَتِهِ فَإِنْ حَلَفَ عَلَى التَّرِكَةِ فَهَلْ يَحْلِفُ عَلَى الدَّيْنِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ لَا يَحْلِفُ وَلَهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ ظُهُورِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ قَبْلَ ظُهُورِ التَّرِكَةِ وَهَذَا أَصَحُّ وَقَالَ الْخَفَّافُ يَحْلِفُ هـ.
(قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْقَاضِي الْمُسْتَحْلِفِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ عِبَارَةٌ نَاقِصَةٌ وَتَمَامُهَا أَنْ يَقُولَ الْمُوَافَقَةُ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ الْوَاجِبِ فِي الْحَلِفِ فَلَا أَثَرَ لِنِيَّةٍ تُخَالِفُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ الْوَاجِبِ فِي الْحَلِفِ فَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ بِغَيْرِ صَكٍّ لَمْ يَقْبِضْهُ وَدَيْنٌ بِصَكٍّ قَبَضَهُ فَأَقَامَ شَاهِدًا بِالدَّيْنِ الَّذِي بِالصَّكِّ وَحَلَفَ مَعَهُ وَنِيَّةُ الْحَلِفِ عَلَى الدَّيْنِ الَّذِي بِلَا صَكٍّ وَنِيَّةُ الْقَاضِي الَّذِي بِالصَّكِّ فَلَا أَثَرَ لِنِيَّةِ الْقَاضِي لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاجِبَ فِي الْحَلِفِ اسْتِحْقَاقُهُ الدَّيْنَ الشَّرْعِيَّ الْمُدَّعَى بِهِ لَا الدَّيْنَ الَّذِي فِي الصَّكِّ وَكَذَا حُكْمُ يَمِينِ الرَّدِّ وَالِاسْتِظْهَارِ قَالَ وَهَذَا مُسْتَمَدٌّ مِمَّا لَوْ جَحَدَ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ بِغَيْرِ صَّكِّ وَلَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِصَكٍّ قَدْ قَبَضَهُ وَشُهُودُهُ لَا يَعْلَمُونَ قَبْضَهُ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ الدَّيْنَ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ وَيَقْبِضَهُ بِدَيْنِهِ الْآخَرِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ قَالَ إنِّي قَبَضْت مَا فِي هَذَا الصَّكِّ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّغَايُرِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَسَامَحَ فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِذَلِكَ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي مَعَ شَاهِدٍ وَيَمِينِ الِاسْتِظْهَار وَقَصْدُهُ بِقَوْلِهِ مَا قَبَضَهُ الدَّيْنُ الَّذِي لَهُ فِي ذِمَّتِهِ لَا الدَّيْنُ بِالصَّكِّ وَقَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ عِبَارَةٌ نَاقِصَةٌ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ فَلَا يَدْفَعُ الْإِثْمَ بِتَأْوِيلٍ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ لِقَصْدِ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ لَفْظِهِ إذَا كَانَ مَا قَصَدَهُ مِنْ مَجَازِ اللَّفْظِ أَوْ اعْتِقَادِ خِلَافِهِ لِشُبْهَةٍ عِنْدَهُ كَالْحَنَفِيِّ فِي شُفْعَةِ الْجِوَارِ فَمِنْ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَا لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَلَا دِينَارٌ وَلَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرُ فَدِرْهَمُ: قَبِيلَةٌ، وَدِينَارُ: رَجُلٌ مَعْرُوفٌ، وَمَا قَبْلِي ثَوْبٌ وَلَا شُفْعَةٌ وَلَا قَمِيصٌ فَالثَّوْبُ الرُّجُوعُ وَالشُّفْعَةُ الْبُعْدُ وَالْقَمِيصُ غِشَاءُ الْكَلْبِ (قَوْلُهُ وَاسْتِثْنَاءٍ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ظَاهِرُهُ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْفَعُ فِي الْمَاضِي حَتَّى لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا قُمْت إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ قَدْ قَامَ لَا يَحْنَثُ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ هَكَذَا الْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَمَعْنَى ذَلِكَ صَحِيحٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا قَدْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَلَا يَقَعَ شَيْءٌ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ (قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute