لِجِنَازَةٍ أَوْ رَاتِبَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ فَلَا يُقْطَعُ لِنَافِلَةٍ وَلَا لِفَرْضِ كِفَايَةٍ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَكَذَا حُكْمُ السَّعْيِ.
(الثَّالِثَةُ الْمَشْيُ فِيهِ) وَلَوْ امْرَأَةٌ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهُ أَشْبَهَ التَّوَاضُعَ وَالْأَدَبَ فَلَا يَرْكَبُ لِئَلَّا يُؤْذِيَ غَيْرَهُ وَيُلَوِّثَ الْمَسْجِدَ (إلَّا لِعُذْرٍ) كَمَرَضٍ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَدِمَتْ مَرِيضَةً فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طُوفِي وَرَاءَ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةً» وَفِيهِمَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ رَاكِبًا فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ لِيَظْهَرَ فَيُسْتَفْتَى» فَلِمَنْ اُحْتِيجَ إلَى ظُهُورِهِ لِلْفَتْوَى أَنْ يَتَأَسَّى بِهِ (لَكِنْ لَوْ رَكِبَ) بِلَا عُذْرٍ (لَمْ يُكْرَهْ) لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ وَصَحَّحَهُ قَالَ الْإِمَامُ وَفِي الْقَلْبِ مِنْ إدْخَالِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي لَا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهَا الْمَسْجِدَ شَيْءٌ فَإِنْ أَمْكَنَ الِاسْتِيثَاقُ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَإِدْخَالُهَا مَكْرُوهٌ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ الرُّكُوبِ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِمَا فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِكَرَاهَتِهِ فِي شَرْحِ مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ فِي مَجْمُوعِهِ فِي الْفَصْلِ الْمَعْقُودِ لِأَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَةِ أَنَّ إدْخَالَ الصِّبْيَانِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنْ غَلَبَ تَنْجِيسُهُمْ لَهُ، وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ. انْتَهَى وَيُرَدُّ ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّيْخَيْنِ نَقَلَا عَدَمَ الْكَرَاهَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ مَعَ ذَلِكَ الْكَرَاهَةَ عَنْ جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَالَ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُهَا وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَبِأَنَّ إدْخَالَ الْبَهِيمَةِ هُنَا إنَّمَا هُوَ لِحَاجَةِ إقَامَةِ السُّنَّةِ كَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِهَذَا لَا يُكْرَهُ إدْخَالُ الصَّبِيَّانِ الْمُحْرِمِينَ الْمَسْجِدَ لِيَطُوفُوا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَحُكْمُ طَوَافِ الْمَحْمُولِ عَلَى أَكْتَافِ الرِّجَالِ كَالرَّاكِبِ فِيمَا ذَكَرَ وَإِذَا كَانَ مَعْذُورًا فَطَوَافُهُ مَحْمُولًا أَوْلَى مِنْهُ رَاكِبًا صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ مِنْ الدَّابَّةِ وَرُكُوبُ الْإِبِلِ أَيْسَرُ حَالًا مِنْ رُكُوبِ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ لَوْ طَافَ زَحْفًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمَشْيِ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ حَافِيًا فِي طَوَافِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ وَأُحِبُّ لَوْ كَانَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَافِيًا أَنْ يُقَصِّرَ فِي الْمَشْيِ لِتَكْثُرَ خُطَاهُ رَجَاءَ كَثْرَةِ الْأَجْرِ لَهُ.
(الرَّابِعَةُ أَنْ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ) الْأَسْوَدَ (بِيَدِهِ) أَوَّلَ طَوَافِهِ (ثُمَّ يُقَبِّلُهُ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُقَبِّلُهُ (وَيَضَعُ) بَعْدَ ذَلِكَ (جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ الشَّيْخَانِ وَفِي الثَّالِثِ الْبَيْهَقِيُّ (وَلِلزَّحْمَةِ) الْمَانِعَةِ مِنْ تَقْبِيلِهِ وَالسُّجُودِ عَلَيْهِ (يَسْتَلِمُ) بِيَدِهِ (وَإِنْ عَجَزَ) عَنْ اسْتِلَامِهِ بِهَا (فَبِعُودٍ) أَوْ نَحْوِهِ كَيَدِهِ يَسْتَلِمُ (ثُمَّ يُقَبِّلُهُ) أَيْ مَا اسْتَلَمَ بِهِ فِيهِمَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اسْتَلَمَهُ، ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ، وَقَالَ مَا تَرَكْته مُنْذُ رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَهُ مَعَ أَخْبَارٍ أُخَرَ أَنَّهُ يُقَبِّلُ يَدَهُ بَعْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ بِهَا مَعَ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ بِهِ وَصَرَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي مَنَاسِكِهِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ لَكِنْ خَصَّهُ الشَّيْخَانِ وَمُخْتَصَرُ كَلَامِهِمَا يَتَعَذَّرُ تَقْبِيلُهُ كَمَا تَقَرَّرَ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ اسْتِلَامِهِ (أَشَارَ) إلَيْهِ (بِالْيَدِ) .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ أَوْ بِشَيْءٍ فِيهَا، ثُمَّ قَبَّلَ مَا أَشَارَ بِهِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ» (لَا بِالْفَمِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِلَامَ وَالْإِشَارَةَ إنَّمَا يَكُونَانِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى فَإِنْ عَجَزَ فَبِالْيُسْرَى عَلَى الْأَقْرَبِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (ثُمَّ لَا يُقَبِّلُ) ، وَلَا يَتَسَلَّمُ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الْحَجَرِ لِذَلِكَ وَلِخُلُوِّهِ عَنْ الْحَجَرِ (نَعَمْ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ أَكْثَرُ مِنْ تَشْدِيدِهَا نِسْبَةً إلَى الْيَمَنِ وَالْأَلِفُ بَدَلٌ مِنْ إحْدَى يَاءَيْ النَّسَبِ عَلَى الْأَوَّلِ وَزَائِدَةٌ عَلَى الثَّانِي (وَحْدَهُ) أَيْ لَا الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ وَسَائِرِ مَا عَدَا مَا مَرَّ (وَيُقَبِّلُ يَدَهُ) بَعْدَ اسْتِلَامِ الرُّكْنِ بِهَا قِيَاسًا عَلَى تَقْبِيلِهَا بَعْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ بِهَا (فَقَطْ) أَيْ دُونَ الرُّكْنِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ أَشَارَ إلَيْهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي الصَّيْفِ الْيَمَنِيِّ قِيَاسًا عَلَى الْأَسْوَدِ، وَدَلِيلُ اسْتِلَامِهِ دُونَ الشَّامِيَّيْنِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَالْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي كُلِّ طَوَافِهِ، وَلَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَيْنِ الَّذِينَ يَلِيَانِ الْحَجَرَ، وَأَنَّهُ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» كَالرُّكْنِ الْأَسْوَدِ أَيْضًا بِخِلَافِهِمَا فَلِلْأَسْوَدِ فَضِيلَتَانِ كَوْنُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِيهِ كَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَلِلْيَمَانِيِ الثَّانِيَةُ.
وَلَيْسَ لِلشَّامِيَّيْنِ شَيْءٌ مِنْهُمَا فَلَا يُسَنُّ فِيهِمَا شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فَلَوْ قَبَّلَهُمَا أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ الْبَيْتِ أَوْ اسْتَلَمَ ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ، وَلَا هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى، بَلْ هُوَ حَسَنٌ كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاءِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَأَيُّ الْبَيْتِ قَبَّلَ فَحَسَنٌ غَيْرَ أَنَّا نَأْمُرُ بِالِاتِّبَاعِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهَذَا النَّصُّ غَرِيبٌ مُشْكِلٌ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ، وَلَا لِفَرْضِ كِفَايَةٍ) ، وَهَذَا يَقْدَحُ فِي الْقَوْلِ بِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ
(قَوْلُهُ أَنَّ إدْخَالَ الصِّبْيَانِ إلَخْ) وَالْمَجَانِينِ (قَوْلُهُ، وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ) فَاقْتَضَى كَلَامُهُمَا تَحْرِيمَ الطَّوَافِ عَلَى الدَّابَّةِ عِنْدَ غَلَبَةِ التَّنْجِيسِ وَكَرَاهَتَهُ عِنْدَ عَدَمِهَا فَإِنَّ أَقَلَّ مَرَاتِبِ الْبَهِيمَةِ أَنْ تَكُونَ كَالصِّبْيَانِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ اقْتَضَى كَلَامُهُمَا تَحْرِيمَ الطَّوَافِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ يُقَبِّلُهُ) يُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُ الْقُبْلَةِ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ لَهَا صَوْتٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ التَّقْبِيلُ وَالسُّجُودُ ثَلَاثًا (قَوْلُهُ يَسْتَلِمُ بِيَدِهِ) أَيْ الْيُمْنَى فَإِنْ عَجَزَ فَبِالْيُسْرَى عَلَى الْأَقْرَبِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالْغَزِّيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ فِي الْأُمِّ وَأُحِبُّ أَنْ يَسْتَلِمَ الرَّجُلُ إذَا لَمْ يُؤْذِ، وَلَمْ يُؤْذَ بِالزِّحَامِ وَيَدَعَ إذَا آذَى أَوْ أُوذِيَ بِالزِّحَامِ (قَوْلُهُ أَشَارَ إلَيْهِ بِالْيَدِ) أَيْ الْيُمْنَى (قَوْلُهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ) أَيْ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ أَشَارَ إلَيْهِ إلَخْ) ثُمَّ يَقْبَلُ مَا أَشَارَ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute