(وَهَكَذَا) يَفْعَلُ مَا ذُكِرَ (كُلَّ مَرَّةٍ) مِنْ الْمَرَّاتِ السَّبْعِ لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ مَعَ قِيَاسِ مَا لَيْسَ فِيهِ عَلَيْهِ وَمَا عَبَّرَ لَهُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ أَصْلِهِ لِإِيهَامِهَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ السُّجُودُ عَلَى الْحَجَرِ إلَّا فِي الطَّوْفَةِ الْأُولَى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَ) فَعَلَ ذَلِكَ (فِي الْأَوْتَارِ) إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ كُلَّ مَرَّةٍ (آكَدُ) مِنْهُ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ اسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُهُ وَالسُّجُودُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَأَنْ يُخَفِّفَ الْقُبْلَةَ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ لَهَا صَوْتٌ، (وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ فِيهِ اسْتِلَامٌ، وَلَا تَقْبِيلٌ) ، وَلَا سُجُودٌ (إلَّا عِنْدَ خُلُوِّ الْمَطَافِ) لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لِضَرَرِهِنَّ وَضَرَرِ الرِّجَالِ بِهِنَّ وَمِثْلُهُنَّ الْخَنَاثَى وَجَمِيعُ مَا تَقَرَّرَ لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِي هَذَا الْبَابِ يَأْتِي لِمَوْضِعِهِ لَوْ قُلِعَ مِنْهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ.
(الْخَامِسَةُ الدُّعَاءُ الْمَأْثُورُ) أَيْ الْمَنْقُولُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (فِيهِ) أَيْ فِي الطَّوَافِ قَالَ الْأَصْحَابُ فَيَقُولُ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ وَالْأُولَى آكَدُ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُبَالَةَ الْبَابِ: اللَّهُمَّ الْبَيْتُ بَيْتُك وَالْحَرَمُ حَرَمُك وَالْأَمْنُ أَمْنُك، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك مِنْ النَّارِ وَيُشِيرُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ وَعِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى الرُّكْنِ الْعِرَاقِيِّ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الشَّكِّ وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ وَعِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى تَحْتِ الْمِيزَانِ اللَّهُمَّ أَظِلَّنِي فِي ظِلِّك يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّك وَاسْقِنِي بِكَأْسِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَابًا هَنِيئًا لَا أَظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَدًا يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَبَيْنَ الرُّكْنِ الشَّامِيِّ وَالْيَمَانِيِّ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا وَعَمَلًا مَقْبُولًا وَتِجَارَةً لَنْ تَبُورَ أَيْ، وَاجْعَلْ ذَنْبِي ذَنْبًا مَغْفُورًا وَقِيسَ بِهِ الْبَاقِيَ وَالْمُنَاسِبُ لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ يَقُولَ عُمْرَةً مَبْرُورَةً، وَيُحْتَمَلُ اسْتِحْبَابُ التَّعْبِيرِ بِالْحَجِّ مُرَاعَاةً لِلْخَبَرِ وَيَقْصِدُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ.
وَهُوَ الْقَصْدُ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الدُّعَاءِ الْآتِي فِي الرَّمَلِ مَحَلُّ الدُّعَاءِ بِهَذَا إذَا كَانَ الطَّوَافُ فِي ضِمْنِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَبَيْنَ الْيَمَانِيَّيْنِ: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَلْيَدْعُ بِمَا شَاءَ مِنْ الْخَيْرِ فِي جَمِيعِ طَوَافِهِ فَهُوَ سُنَّةٌ، مَأْثُورًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ الْمَأْثُورُ أَفْضَلَ (وَهُوَ) أَيْ الدُّعَاءُ الْمَأْثُورُ (لَا غَيْرُهُ أَفْضَلُ فِيهِ) أَيْ فِي الطَّوَافِ (مِنْ الْقِرَاءَةِ) لِلِاتِّبَاعِ أَمَّا غَيْرُ الْمَأْثُورِ فَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ ذِكْرٍ، وَالْقُرْآنُ أَفْضَلُهُ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ شَبَّهَ الطَّوَافَ بِالصَّلَاةِ، وَالْقِرَاءَةُ أَخَصُّ بِهَا وَلِخَبَرِ «يَقُولُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «أَحَبُّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ اللَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهَا بَدَأْتَ» فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَحَبُّهُ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، أَوْ لِأَنَّ مُفْرَدَاتُهَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْمَأْثُورِ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ: اللَّهُمَّ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي وَبَارِكْ لِي فِيهِ وَاخْلُفْ عَلَى كُلِّ غَائِبَةٍ لِي بِخَيْرٍ» .
وَمَا رَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَالذُّلِّ وَمَوَاقِفِ الْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِسْرَارُ بِالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِلْخُشُوعِ.
(السَّادِسَةُ الرَّمَلُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ (لِلذِّكْرِ) ، وَلَوْ صَبِيًّا بِخِلَافِ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى حَذَرًا مِنْ تَكَشُّفِهِمَا (وَيُسَمَّى) الرَّمَلُ (الْخَبَبُ، وَهُوَ خُطًا مُتَقَارِبَةٌ بِسُرْعَةٍ لَا عَدْوَ) فِيهِ (وَ) لَا (وَثْبَ) وَيَكُونُ (فِي) الْأَطْوَافِ (الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ) مُسْتَوْعِبًا بِهِ الْبَيْتَ وَعَطَفَ عَلَى الرَّمَلِ قَوْلُهُ (وَالْمَشْيُ) أَيْ عَلَى الْهِينَةِ (فِي الْأَرْبَعَةِ) الْبَاقِيَةِ رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ خَبَّ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا» وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ «رَمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعَةً» .
لَكِنَّهُ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ، وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ الْحُمَّى حُمَّى يَثْرِبَ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَدًا قَوْمٌ وَهَنَتْهُمْ الْحُمَّى فَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَيَمْشُوا أَرْبَعًا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَيُشِيرُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ) كَذَا ذَكَرَهُ الْجُوَيْنِيُّ وَقَالَ غَيْرُهُ يُشِيرُ بِهَذَا إلَى نَفْسِهِ أَيْ هَذَا مَقَامُ الْمُلْتَجِئِ الْمُسْتَعِيذِ بِك مِنْ النَّارِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهَذَا أَحْسَنُ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي مَنَاسِكِهِ مَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ عَنْ بَعْضِ مُصَنِّفِي الْمَنَاسِكِ ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى) ، وَلَوْ لَيْلًا فِي خَلْوَةٍ (قَوْلُهُ وَيُسَمَّى الرَّمَلُ الْخَبَبُ) وَمَنْ قَالَ إنَّهُ دُونَ الْخَبَبِ فَقَدْ غَلِطَ (قَوْلُهُ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ إلَخْ) فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى مَا قَالُوهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute