قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ» وَأَجَابَ عَنْهُ الْأَصْحَابُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ كَانَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ سَنَةَ سَبْعٍ وَالْأَوَّلُ فِي حِجَّةَ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى لِتَأَخُّرِهِ وَإِنَّمَا شُرِعَ الرَّمَلُ مَعَ زَوَالِ سَبَبِهِ، وَهُوَ إظْهَارُ الْقُوَّةِ لِلْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ فَاعِلَهُ يَسْتَحْضِرُ بِهِ سَبَبَ ذَلِكَ، وَهُوَ ظُهُورُ أَمْرِهِمْ فَيَتَذَكَّرُ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْإِسْرَاعِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ وَلْيَدْعُ بِمَا شَاءَ كَمَا مَرَّ.
وَآكَدُهُ فِي رَمَلِهِ بَعْدَ تَكْبِيرِهِ عِنْدَ مُحَاذَاةِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَفِي مَشْيِهِ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزَ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (وَإِنَّمَا يُسَنُّ) الرَّمَلُ (فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ) مَطْلُوبٌ (فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَإِنْ كَانَ مَكِّيًّا) لِلِاتِّبَاعِ وَلِانْتِهَائِهِ فِيهِ إلَى تَوَاصُلِ الْحَرَكَاتِ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ فَإِنْ رَمَلَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَسَعَى بَعْدَهُ لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الرُّكْنِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ بَعْدَهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَطْلُوبٍ وَلَا رَمَلَ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ لِذَلِكَ (وَالرَّمَلُ لَا يُقْضَى) فَلَوْ تَرَكَهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ لَا يَقْضِيهِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّ هَيْئَتَهَا الْهِينَةُ فَلَا تُغَيَّرَ كَالْجَهْرِ لَا يُقْضَى فِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ مَعَ الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ لَوْ تَرَكَهُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَاَلَّذِي سَعَى بَعْدَهُ لَا يَقْضِيهِ فِي طَوَافِ الرُّكْنِ إذْ السَّعْيُ بَعْدَهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَطْلُوبٍ.
(فَرْعٌ الْقُرْبُ مِنْ الْبَيْتِ مُسْتَحَبٌّ) لِلطَّائِفِ تَبَرُّكًا بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَلِأَنَّهُ أَيْسَرُ فِي الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ نَعَمْ إنْ تَأَذَّى بِالزِّحَامِ أَوْ آذَى غَيْرَهُ فَالْبُعْدُ أُولَى قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ كَذَا أَطْلَقُوهُ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ أَوْ أَخِرِهِ فَأُحِبُّ لَهُ الِاسْتِلَامَ، وَلَوْ بِالزِّحَامِ. انْتَهَى، وَقَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ وَالْأَخِيرِ التَّأَذِّي وَالْإِيذَاءُ بِالزِّحَامِ، وَهُوَ مَا فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ غَلَطٌ قَبِيحٌ وَحَاصِلُ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ يَتَوَقَّى التَّأَذِّي وَالْإِيذَاءَ بِالزِّحَامِ مُطْلَقًا وَيَتَوَقَّى الزِّحَامَ الْخَالِي عَنْهُمَا إلَّا فِي الِابْتِدَاءِ وَالْأَخِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِي مَعَ الْقُرْبِ الِاحْتِيَاطَ فَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالِاحْتِيَاطُ الْإِبْعَادُ عَنْ الْبَيْتِ بِقَدْرِ ذِرَاعٍ وَالْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ بِقَدْرِ ثَلَاثِ خُطُوَاتٍ لِيَأْمَنَ الطَّوَافَ عَلَى الشَّاذَرْوَانِ هَذَا كُلُّهُ لِلذَّكَرِ، أَمَّا الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْرَبَا فِي حَالِ طَوَافِ الذُّكُورِ بَلْ يَكُونَانِ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ بِحَيْثُ لَا يُخَالِطَانِ الذُّكُورَ (فَإِنْ تَعَذَّرَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْقُرْبِ (الرَّمَلُ) لِزَحْمَةٍ، وَلَمْ يَرْجُ فُرْجَةً (تَبَاعَدَ) وَرَمَلَ؛ لِأَنَّ الرَّمَلَ شِعَارٌ مُسْتَقِلٌّ وَلِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ، وَالْقُرْبُ مُتَعَلِّقٌ بِمَكَانِهَا وَالْمُتَعَلِّقُ بِنَفْسِهَا أَوْلَى بِدَلِيلِ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ فِي الْبَيْتِ أَوْلَى مِنْ الِانْفِرَادِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْمُتَّجَهُ الْبُعْدُ الْمُوجِبُ لِلطَّوَافِ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ، وَالْمَقَامُ مَكْرُوهٌ، وَتَرْكُ الرَّمَلِ أَوْلَى مِنْ ارْتِكَابِهِ هَذَا (إنْ لَمْ يَخْشَ مُلَامَسَةَ النِّسَاءِ) مَعَ التَّبَاعُدِ (فَإِنْ خَشِيَهَا) (تَرَكَهُ) أَيْ التَّبَاعُدَ وَالرَّمَلَ فَالْقُرْبُ حِينَئِذٍ بِلَا رَمَلٍ أَوْلَى تَحَرُّزًا عَنْ مُلَامَسَتِهِنَّ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بِالْقُرْبِ أَيْضًا نِسَاءٌ، وَتَعَذَّرَ الرَّمَلُ فِي جَمِيعِ الْمَطَافِ لِخَوْفِ الْمُلَامَسَةِ فَتَرْكُ الرَّمَلِ أَوْلَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ، أَمَّا إذَا رَجَا فُرْجَةً فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقِفَ لِيَرْمُلَ إنْ لَمْ يُؤْذِ بِوُقُوفِهِ أَحَدًا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ (وَيَتَحَرَّكُ) نَدْبًا (فِي مَشْيِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّمَلِ وَالسَّعْيِ) الشَّدِيدِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَرَى مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ الرَّمَلُ وَالسَّعْيُ رَمَلَ وَسَعَى تَشَبُّهًا بِمَنْ يَرْمُلُ وَيَسْعَى (وَيَرْمُلُ الْحَامِلُ) بِمَحْمُولِهِ نَدْبًا (وَيُحَرِّكُ الْمَحْمُولُ دَابَّتَهُ) كَذَلِكَ لِمَا قُلْنَا.
(السَّابِعَةُ الِاضْطِبَاعُ) مِنْ الضَّبُعِ بِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ الْعَضُدُ (وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَيَكْشِفَهُ) كَدَأْبِ أَهْلِ الشَّطَارَةِ (وَ) يَجْعَلَ (طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَهُوَ لِلذَّكَرِ) لَا لِلْأُنْثَى وَالْخُنْثَى (سُنَّةٌ فِي طَوَافٍ فِيهِ رَمَلٌ وَفِي السَّعْيِ) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (أَيْضًا) «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ وَجَعَلُوا أَرْدَيْتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، ثُمَّ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمْ الْيُسْرَى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقِيسَ بِالطَّوَافِ السَّعْيُ بِجَامِعِ قَطْعِ مَسَافَةٍ مَأْمُورٍ بِتَكْرَارِهَا سَبْعًا وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ وَخَرَجَ بِمَا قَالَهُ الطَّوَافُ الَّذِي لَا رَمَلَ فِيهِ وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ الْمُصَرَّحِ بِهِمَا فِي قَوْلِهِ (لَا) فِي (رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَرِدْ فِيهِ اضْطِبَاعٌ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ فِيهِ وَلِكَرَاهَةِ الِاضْطِبَاعِ فِي الصَّلَاةِ فَيُزِيلُهُ عِنْدَ إرَادَتِهِمَا وَيُعِيدُهُ عِنْدَ إرَادَةِ السَّعْيِ
(الثَّامِنَةُ رَكْعَتَانِ عَقِبَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُسَنُّ فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ إلَخْ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ ثَلَاثًا وَمَشَوْا أَرْبَعًا» .
(قَوْلُهُ وَحَاصِلُ نَصِّ الْأُمِّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ) وَالزَّعْفَرَانِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute