للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُصَلِّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجُمُعَةَ بِعَرَفَةَ» مَعَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ» (وَيَبِيتُونَ) نَدْبًا بِمِنًى لَيْلَةَ التَّاسِعِ وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ: الْمَبِيتُ بِهَا لَيْسَ بِنُسُكٍ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ (وَحِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ) وَتُشْرِقُ (عَلَى ثَبِيرَ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ جَبَلٌ كَبِيرٌ بِمُزْدَلِفَةَ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ (يَسِيرُ) بِهِمْ مُتَوَجِّهًا (إلَى عَرَفَةَ) قَائِلًا اللَّهُمَّ إلَيْك تَوَجَّهْت وَلِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ أَرَدْت فَاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَحَجِّي مَبْرُورًا وَارْحَمْنِي، وَلَا تُخَيِّبْنِي إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وَيُنْدَبُ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ التَّلْبِيَةِ وَأَنْ يَسِيرَ بِهِمْ عَلَى طَرِيقٍ ضَبٍّ، وَيَعُودَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ يَعُودَ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ الَّتِي ذَهَبَ فِيهَا فَإِذَا وَصَلَ نَمِرَةَ سُنَّ أَنْ يُضْرَبَ بِهَا قُبَّةُ الْإِمَامِ، وَمَنْ كَانَ لَهُ قُبَّةٌ ضَرَبَهَا اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَيَقِفُ) أَيْ فَيُقِيمُ بِهِمْ (بِنَمِرَةَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا مَوْضِعٌ بَيْنَ طَرَفَيْ الْحِلِّ وَعَرَفَةَ وَيَسْتَمِرُّ إلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ وَيَغْتَسِلُ لِلْوُقُوفِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَوَقْتُ الزَّوَالِ يَسِيرٌ) بِهِمْ (إلَى مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَبَعْضُهُ مِنْ عَرَفَةَ) .

عِبَارَةُ الْأَصْلِ صَدْرُهُ مِنْ عَرَفَةَ وَآخِرُهُ مِنْ عَرَفَةَ وَيُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا صَخَرَاتٌ كِبَارٌ فُرِشَتْ هُنَاكَ (فَيَخْطُبُ بِهِمْ) بَعْدَ الزَّوَالِ (خُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ يُعَلِّمُهُمْ) فِي الْأُولَى (الْمَنَاسِكَ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى) إكْثَارِ (الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ) بِالْوَقْفِ وَيَجْلِسُ بَعْدَ فَرَاغِهَا بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ (وَحِينَ يَقُومُ إلَى) الْخُطْبَةِ (الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَخَفُّ) مِنْ الْأُولَى (يُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ وَيَفْرُغَانِ) أَيْ الْأَذَانُ وَالْخُطْبَةُ (مَعًا) وَاسْتُشْكِلَ هَذَا بِأَنَّ الْأَذَانَ يَمْنَعُ سَمَاعَ الْخُطْبَةِ أَوْ أَكْثَرَهَا فَيَفُوتُ مَقْصُودُهَا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْخُطْبَةِ مِنْ التَّعْلِيمِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأُولَى وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَهِيَ ذِكْرٌ وَدُعَاءٌ فَشُرِعَتْ مَعَ الْأَذَانِ قَصْدًا لِلْمُبَادَرَةِ بِالصَّلَاةِ (وَيَجْمَعُ بِهِمْ) بَعْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَتَيْنِ (الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ) تَقْدِيمًا لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَيَقْصُرُونَ) ، وَالْجَمْعُ وَالْقَصْرُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِالْمُزْدَلِفَةِ لِلسَّفَرِ لَا لِلنُّسُكِ فَيَخْتَصَّانِ بِسَفَرِ الْقَصْرِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ هُنَا بِقَوْلِهِ (لَا) وَفِي نُسْخَةٍ إلَّا (الْمَكِّيُّونَ وَنَحْوُهُمْ) مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ سَفَرُهُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ (فَيَأْمُرهُمْ بِالْإِتْمَامِ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ بَعْدَ السَّلَامِ يَا أَهْلَ مَكَّةَ - وَمَنْ سَفَرُهُ قَصِيرٌ -: أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَيَأْمُرُهُمْ بِالْإِتْمَامِ وَعَدَمِ الْجَمْعِ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: وَإِذَا دَخَلَ الْحُجَّاجُ مَكَّةَ وَنَوَوْا أَنْ يُقِيمُوا بِهِمَا أَرْبَعًا لَزِمَهُمْ الْإِتْمَامُ فَإِذَا أُخْرِجُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى وَنَوَوْا الذَّهَابَ إلَى أَوْطَانِهِمْ عِنْدَ فَرَاغِ مَنَاسِكِهِمْ كَانَ لَهُمْ الْقَصْرُ مِنْ حِينِ خَرَجُوا؛ لِأَنَّهُمْ أَنْشَئُوا سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ.

(فَرْعٌ، ثُمَّ) بَعْدَ جَمْعِهِمْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ (يَذْهَبُونَ إلَى الْمَوْقِفِ) وَيَجْعَلُونَ السَّيْرَ إلَيْهِ (وَأَفْضَلُهُ) لِلذِّكْرِ مَوْقِفُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ (عِنْدَ الصَّخَرَاتِ) الْكِبَارِ الْمُفْتَرِشَةِ فِي أَسْفَلِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ، وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي بِوَسَطِ أَرْضِ عَرَفَةَ وَيُقَالُ لَهُ الْإِلَالُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ بِوَزْنِ هِلَالٍ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَيْهَا لِلزَّحْمَةِ قَرُبَ مِنْهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَبَيْنَ مَوْقِفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ نَحْوُ مِيلٍ أَمَّا الْأُنْثَى فَيُنْدَبُ لَهَا الْجُلُوسُ فِي حَاشِيَةِ الْمَوْقِفِ كَمَا تَقِفُ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَأَقَرَّهُ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَقِيَاسُهُ نَدْبُ ذَلِكَ لِلْخُنْثَى وَيَكُونُ عَلَى تَرْتِيبِ الصَّلَاةِ قَالَ: ثُمَّ يَتَعَدَّى النَّظَرُ إلَى الصِّبْيَانِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ مَعَ الْبَالِغِينَ (وَ) أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ (بِوُضُوءٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالتَّطَهُّرِ، وَهُوَ أَعَمُّ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ (وَيَسْتَقْبِلُونَ) فِي وُقُوفِهِمْ الْقِبْلَةَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ (وَالرُّكُوبُ) فِيهِ (أَفْضَلُ) مِنْ الْمَشْيِ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهُ أَعْوَنُ عَلَى الدُّعَاءِ، وَهُوَ الْمُهِمُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.

(وَيُكْثِرُونَ الذِّكْرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالدُّعَاءَ) وَالتَّلْبِيَةَ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ (إلَى الْغُرُوبِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرُوِيَ «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ إلَى مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَزْرَقِيِّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَإِنْ أَنْكَرَهُ الْقَاضِي عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ وَقَالَ: لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ وَخَطَّأَهُمَا الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ وَذَكَرَ أَنَّ ابْنَ سُرَاقَةَ سَبَقَهُمَا إلَى هَذَا الْخَطَأِ فَقَدْ قَالَ الْفَاسِيُّ فِي تَارِيخِهِ تُحْفَةِ الْكِرَامِ بِأَخْبَارِ الْبَلَدِ الْحَرَامِ فِيمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَابْنُ جَمَاعَةَ نَظَرٌ لِمُخَالَفَةِ كَلَامِ الْأَزْرَقِيِّ، وَهُوَ عُمْدَةٌ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَمَا نَقَلَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ خَلِيلٍ. اهـ. وَابْنُ جَمَاعَةَ وَالْإِسْنَوِيُّ قَالَا إنَّ إبْرَاهِيمَ أَحَدُ أُمَرَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَهُوَ الَّذِي يُنْسَبُ إلَيْهِ بَابُ إبْرَاهِيمَ بِمَكَّةَ.

(قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقِيَاسُهُ نَدْبُ ذَلِكَ لِلْخُنْثَى) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ ثُمَّ يَتَعَدَّى النَّظَرُ إلَخْ) فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ تَعَدِّيَهُ إلَى الصِّبْيَانِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّا إنَّمَا أُمِرْنَا بِتَأْخِيرِ الصِّبْيَانِ فِي مَوْقِفِ الصَّلَاةِ وَتَقْدِيمِ الْبَالِغِينَ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ إلَى الِاسْتِخْلَافِ عِنْدَ خُرُوجِ الْأَمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَرْعِيٍّ هُنَا هَذَا كَمَا تَخْرُجُ الرِّجَالُ وَالصِّبْيَانُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّمْيِيزِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ هُنَا بَلْ أَوْلَى نَعَمْ لَوْ كَانَ الْأَمْرَدُ حَسَنًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْمَرَ بِالْوُقُوفِ خَلْفَ الرَّجُلِ. اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ.

(قَوْلُهُ وَالرُّكُوبُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَشْيِ إلَخْ) كَذَا قَالَاهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَتُسْتَثْنَى الْمَرْأَةُ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَكُونَ قَاعِدَةً كَمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ فَإِنْ كَانَتْ مَسْتُورَةً فِي هَوْدَجٍ أَوْ خَيْمَةٍ فَالْمُتَّجَهُ اسْتِحْبَابُ الْوُقُوفِ اهـ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْوُقُوفُ عَلَى الدَّابَّةِ بَلْ يَجْلِسُ لِيَكُونَ أَقْوَى عَلَى الدُّعَاءِ، فَقُعُودُ الْمَرْأَةِ عَلَى الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ جُلُوسِ الرَّجُلِ عَلَى الدَّابَّةِ فَكَيْفَ تُؤْمَرُ بِالْقِيَامِ، وَالْقِيَامُ يُضْعِفُهَا عَنْ الدُّعَاءِ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ.

(قَوْلُهُ رُوِيَ «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ» إلَخْ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>