للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ» كَاَلَّذِي نَقُولُ وَخَيْرًا مِمَّا نَقُولُ «اللَّهُمَّ لَك صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي، وَإِلَيْك مَآبِي وَلَك تُرَاثِي اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَوَسْوَسَةِ الصَّدْرِ وَشَتَاتِ الْأَمْرِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا تَجِيءُ بِهِ الرِّيحُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اُنْقُلْنِي مِنْ ذُلِّ الْمَعْصِيَةِ إلَى عِزِّ الطَّاعَةِ وَاكْفِنِي بِحَلَالِك عَنْ حَرَامِك وَأَغْنَنِي بِفَضْلِك عَمَّنْ سِوَاك وَنَوِّرْ قَلْبِي وَقَبْرِي وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ، وَاجْمَعْ لِي الْخَيْرَ إنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى» وَيَكُونُ كُلُّ دُعَاءٍ ثَلَاثًا وَيَفْتَتِحُهُ بِالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّسْبِيحِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَخْتِمُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ مَعَ التَّأْمِينِ وَيُكْثِرُ الْبُكَاءُ مَعَ ذَلِكَ فَهُنَاكَ تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ وَتُقَالُ الْعَثَرَاتُ.

وَقَالَ فِي الْبَحْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْحَشْرِ فِي عَرَفَةَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ذَلِكَ (يَرْفَعُ الْيَدَ) أَيْ يَدَيْهِ لِخَبَرِ «تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَاسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْمَوْقِفَيْنِ وَالْجَمْرَتَيْنِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إنَّهُ مَعْلُولٌ (وَلَا يُجَاوِزُونَهَا) أَيْ الْيَدَ وَفِي نُسْخَةٍ، وَلَا يُجَاوِزْ بِهَا (الرَّأْسَ، وَلَا يُفْرِطُ فِي الْجَهْرِ) بِالدُّعَاءِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُنَّا إذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ، وَلَا غَائِبًا إنَّهُ مَعَكُمْ إنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ قَرِيبٌ» وَالْأَفْضَلُ لِلْوَاقِفِ أَنْ لَا يَسْتَظِلَّ بَلْ يَبْرُزَ لِلشَّمْسِ إلَّا لِعُذْرٍ بِأَنْ يَتَضَرَّرَ أَوْ يَنْقُصَ دُعَاؤُهُ وَاجْتِهَادُهُ فِي الْأَذْكَارِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَظَلَّ بِعَرَفَاتٍ مَعَ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ ظُلِّلَ عَلَيْهِ بِثَوْبٍ، وَهُوَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ» (، وَحَيْثُ تَغْرُبُ) الشَّمْسُ (يُسْتَحَبُّ لَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ) أَيْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إنْ أَرَادَ الْمَصِيرَ إلَى مُزْدَلِفَةَ لِيَجْمَعَهَا فِيهَا مَعَ الْعِشَاءِ كَمَا سَيَأْتِي.

(وَيَدْفَعُونَ) مِنْ عَرَفَةَ مُكْثِرِينَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالتَّلْبِيَةِ (طَرِيقَ) أَيْ فِي طَرِيقِ (الْمَأْزِمَيْنِ) بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ وَبِتَرْكِهَا مَعَ كَسْرِ الزَّايِ فِيهِمَا وَهُمَا جَبَلَانِ بَيْنَ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ فَالْمُرَادُ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي بَيْنَهُمَا (بِسَكِينَةٍ) تَحَرُّزًا مِنْ الْإِيذَاءِ وَلِلْأَمْرِ بِهِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «رَاكِبًا كَانَ أَوْ مَاشِيًا» (وَمِنْ وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ) فِيهَا نَدْبًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (إلَى الْمُزْدَلِفَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَدْفَعُونَ (فَيَجْمَعُ بِهِمْ) فِيهَا (الْمَغْرِبَ الْعِشَاءَ) تَأْخِيرًا لِلِاتِّبَاعِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَأَطْلَقَ كَأَصْلِهِ اسْتِحْبَابَ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَى مُزْدَلِفَةَ وَقَيَّدَهُ الدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِمَا إذَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِلْعِشَاءِ فَإِنْ خَشِيَهُ صَلَّى بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّصِّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَعَلَّ إطْلَاقَ الْأَكْثَرِينَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا وَفِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلُّوا قَبْلَ حَطِّ رِحَالِهِمْ، ثُمَّ يُنِيخَ كُلُّ إنْسَانٍ جَمَلَهُ وَيَعْقِلَهُ، ثُمَّ يُصَلُّونَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جَاءَ مُزْدَلِفَةَ تَوَضَّأَ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» (وَيُصَلِّي) كُلُّ أَحَدٍ (الرَّوَاتِبَ) الَّتِي لِلصَّلَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْجُمَعِ (وَلَا يَتَنَفَّلُونَ) أَيْ لَا يُسَنُّ لَهُمْ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ لَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَلَا عَلَى إثْرِهِمَا لِئَلَّا يَنْقَطِعُوا عَنْ الْمَنَاسِكِ، اعْلَمْ إنَّ الْمَسَافَةَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى كُلٍّ مِنْ عَرَفَةَ وَمِنًى فَرْسَخٌ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ.

(فَرْعٌ مِنْ حَصَلَ فِي عَرَفَةَ بِنِيَّةِ الْوُقُوفِ أَوْ) بِنِيَّةِ (غَيْرِهِ مِنْ طَلَبِ غَرِيمٍ أَوْ ضَائِعٍ أَوْ) حَصَلَ فِيهَا (مَارًّا أَوْ جَاهِلًا) بِهَا، وَلَوْ ظَنَّهَا غَيْرَهَا (أَجْزَأَهُ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «وَقَفْت هَاهُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» (وَيُجْزِئُ النَّائِمَ) حُصُولُهُ فِيهِمَا وَلَوْ اسْتَغْرَقَ الْوَقْتَ بِالنَّوْمِ كَمَا فِي الصَّوْمِ (لَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالسَّكْرَانُ وَالْمَجْنُونُ) كَمَا فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ (فَيَقَعُ) حَجُّ الْمَجْنُونِ (نَفْلًا) كَحَجِّ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَاسْتَشْكَلَ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَاتَهُ الْحَجُّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يُنَافِي الْوُقُوعَ نَفْلًا فَإِنَّهُ إذَا جَازَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ الْمَجْنُونِ ابْتِدَاءً فَفِي الدَّوَامِ أَوْلَى أَنْ يُتِمَّ حَجَّهُ فَيَقَعُ نَفْلًا بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا لَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ ابْتِدَاءً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُتِمَّ حَجَّهُ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَاتَهُ الْحَجُّ حَجُّهُ الْوَاجِبُ فَيَكُونُ كَالْمَجْنُونِ وَمِثْلُهَا السَّكْرَانُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِلثَّلَاثَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِعَدَمِ صِحَّةِ وُقُوفِ السَّكْرَانِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَمَنَاسِكِهِ وَحَدُّ عَرَفَةَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

«إنَّ أَفْضَلَ الدُّعَاءِ بِعَرَفَةَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» سُئِلَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا ذِكْرٌ وَلَيْسَ بِدُعَاءٍ فَأَيْنَ الدُّعَاءُ فَأَنْشَدَ قَوْلَ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ

أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي ... حَيَاؤُكَ إنَّ شِيمَتَكَ الْحَيَاءُ

إذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا ... كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ

وَأَجَابَ غَيْرُ سُفْيَانَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِكَايَةً عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أُعْطِيهِ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» فَلَمَّا كَانَ الذِّكْرُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ الْمَقْصُودِ مِنْ الدُّعَاءِ شَابَهَ الدُّعَاءَ فَسُمِّيَ بِهِ.

(قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ الدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (تَنْبِيهٌ) سُئِلْت عَنْ مُرْتَكِبِ الْكَبَائِرِ الَّذِي لَمْ يَتُبْ مِنْهَا إذَا حَجَّ هَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ وَصْفُ الْفِسْقِ وَأَثَرُهُ كَرَدِّ الشَّهَادَةِ أَوْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى تَوْبَتِهِ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ يَزُولُ عَنْهُ ذَلِكَ كَمَا يَزُولُ عَنْهُ بِتَوْبَتِهِ مِمَّا فُسِّقَ بِهِ.

(قَوْلُهُ فَيَقَعُ حَجُّ الْمَجْنُونِ نَفْلًا إلَخْ) فَتُشْتَرَطُ الْإِفَاقَةُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْحَلْقَ وَقِيَاسُ كَوْنِهِ نُسُكًا اشْتِرَاطُهَا فِيهِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ إذَا جَازَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ الْمَجْنُونِ إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَرَاوِزَةِ وَرَجَّحَهَا الشَّيْخَانِ أَنَّهُ يَصِحُّ إحْرَامُ الْوَلِيِّ عَنْ الْمَجْنُونِ وَطَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ عَنْهُ، وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ نَصِّ الْإِمْلَاءِ وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَاخْتَارَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>