وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ أَخْذًا بِمَفْهُومِ كَلَامِهِمْ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَالتَّكَفُّلُ مَحْضُ الْتِزَامٍ (فَإِنْ أَحْضَرَهُ فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الْمُعَيَّنِ فِي الْأُولَى، وَمَوْضِعِ الْعَقْدِ فِي الثَّانِيَةِ (فَامْتَنَعَ) الْمَكْفُولُ لَهُ مِنْ تَسَلُّمِهِ (لِغَرَضٍ) كَفَوْتِ حَاكِمٍ أَوْ مُعَيَّنٍ (جَازَ) امْتِنَاعُهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ امْتَنَعَ لَا لِغَرَضٍ (تَسَلَّمَهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ) لِأَنَّ التَّسَلُّمَ حِينَئِذٍ لَازِمٌ لَهُ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ نَابَ عَنْهُ الْحَاكِمُ فِيهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ سَلَّمَهُ إلَيْهِ وَأَشْهَدَ) بِهِ شَاهِدَيْنِ (وَيَبْرَأُ) الْكَفِيلُ (بِتَسْلِيمِهِ) لِلْمَكْفُولِ لَهُ (مَحْبُوسًا بِحَقٍّ) لِإِمْكَانِ إحْضَارِهِ وَمُطَالَبَتِهِ بِالْحَقِّ (لَا) مَحْبُوسًا بِغَيْرِ حَقٍّ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ وَلَا غَيْرَ مَحْبُوسٍ (مَعَ مُتَغَلِّبٍ) لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِتَسْلِيمِهِ (وَ) يَبْرَأُ (بِتَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ نَفْسَهُ) لِلْمَكْفُولِ لَهُ (عَنْ جِهَتِهِ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ سَلَّمْت نَفْسِي إلَيْك عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ كَمَا يَبْرَأُ الضَّامِنُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ الدَّيْنَ (لَا) بِتَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ (عَنْ غَيْرِهَا) أَيْ عَنْ غَيْرِ جِهَةِ الْكَفِيلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ هُوَ، وَلَا أَحَدٍ عَنْ جِهَتِهِ حَتَّى لَوْ ظَفِرَ بِهِ الْمَكْفُولُ لَهُ، وَلَوْ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ وَادَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ.
وَأَوْلَى مِمَّا عَبَّرَ بِهِ قَوْلُ أَصْلِهِ: وَلَوْ لَمْ يُسَلِّمْ نَفْسَهُ عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ لِتَنَاوُلِهِ مَا لَوْ سَلَّمَهُ لَا عَنْ جِهَةِ أَحَدٍ (وَ) يَبْرَأُ (بِتَسْلِيمِ أَجْنَبِيٍّ لَهُ) إنْ سَلَّمَهُ (عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ وَبِإِذْنِهِ وَلَا يَلْزَمُ) الْمَكْفُولَ لَهُ (قَبُولُهُ إنْ سَلَّمَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْكَفِيلِ) وَلَوْ عَنْ جِهَتِهِ لَكِنْ لَوْ قَبِلَ عَنْ جِهَتِهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ (وَلَوْ كَفَلَ بِهِ رَجُلَانِ مَعًا) أَوْ مُرَتَّبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (فَأَحْضَرَهُ أَحَدُهُمَا) أَيْ سَلَّمَهُ (لَمْ يَبْرَأْ الْآخَرُ، وَإِنْ قَالَ: سَلَّمْته عَنْ صَاحِبِي) كَمَا لَوْ كَانَ بِالدَّيْنِ رَهْنَانِ فَانْفَكَّ أَحَدُهُمَا لَا يَنْفَكُّ الْآخَرُ وَيُفَارِقُ مَا لَوْ قَضَى أَحَدُ الضَّامِنَيْنِ الدَّيْنَ حَيْثُ يَبْرَأُ الْآخَرُ بِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ يُبْرِئُ الْأَصِيلَ، وَإِذَا بَرِئَ بَرِئَ كُلُّ ضَامِنٍ وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ فَسَلَّمَ إلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْ حَقِّ الْآخَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (فَإِنْ تَكَافَلَا) أَيْ الْكَفِيلَانِ ثُمَّ أَحْضَرَ أَحَدُهُمَا الْمَكْفُولَ بِهِ (بَرِئَ مُحْضِرُهُ مِنْ الْكَفَالَتَيْنِ) أَيْ كَفَالَتِهِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ (وَالْآخَرُ) يَبْرَأُ (مِنْ الْأُخْرَى) أَيْ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ كَفِيلَهُ سَلَّمَ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْأُولَى لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ هُوَ، وَلَا أَحَدٌ عَنْ جِهَتِهِ (وَإِنْ قَالَ الْمَكْفُولُ لَهُ) لِلْكَفِيلِ (أَبْرَأْتُك) مِنْ حَقِّي (بَرِئَ) كَمَا يَبْرَأُ بِالتَّسْلِيمِ (أَوْ) قَالَ (لَا حَقَّ لِي عَلَى الْأَصِيلِ) ، أَوْ قِبَلَهُ (فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ) لِإِقْرَارِهِ الْمَذْكُورِ (وَالثَّانِي يُرَاجَعُ فَإِنْ فُسِّرَ بِشَيْءٍ) مِنْهُ نَفْيُ الدَّيْنِ أَوْ نَفْيُ الْوَدِيعَةِ أَوْ الشَّرِكَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا (قُبِلَ) قَوْلُهُ.
(فَإِنْ كَذَّبَاهُ) أَوْ أَحَدُهُمَا فِي تَفْسِيرِهِ بِنَفْيِ الْوَدِيعَةِ أَوْ نَحْوِهَا (حَلَفَ) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَا دَعْوَى لِي عَلَى زَيْدٍ وَقَالَ: أَرَدْت فِي عِمَامَتِهِ وَقَمِيصِهِ لَا فِي دَارِهِ وَبُسْتَانِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ظَاهِرًا (وَيُطَالَبُ) الْكَفِيلُ (بِإِحْضَارِ غَائِبٍ عَلِمَ) هُوَ، وَالطَّرِيقُ آمِنٌ وَأَمْكَنَهُ إحْضَارُهُ عَادَةً (مَكَانَهُ وَلَوْ بَعُدَ) بِأَنْ كَانَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ سَوَاءٌ أَغَابَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ أَمْ كَانَ غَائِبًا عِنْدَهَا (أَوْ مَاتَ) أَيْ الْغَائِبُ وَكَذَا الْحَاضِرُ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى (مَا لَمْ يُدْفَنْ لِيَرَاهُ الشُّهُودُ) فَيَشْهَدُونَ عَلَى صُورَتِهِ كَمَا لَوْ تَكَفَّلَ ابْتِدَاءً بِبَدَنِ مَيِّتٍ (وَيُمْهَلُ) الْكَفِيلُ (مُدَّةَ إحْضَارِهِ) أَيْ الْغَائِبِ ذَهَابًا وَإِيَابًا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ مُدَّةُ إقَامَةِ الْمُسَافِرِينَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
إنْ طَلَبَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ ش وَقَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: لَا مَعَ مُتَغَلِّبٍ) لَوْ ادَّعَى الْكَفِيلُ تَسْلِيمَهُ، وَلَيْسَ هُنَاكَ حَائِلٌ، وَقَالَ الْمَكْفُولُ لَهُ مَا أَسْلَمْت إلَّا وَهُنَاكَ حَائِلٌ فَمِنْ الْقَوْلِ قَوْلُهُ: وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّبِيلِيُّ وَيَجْرِيَانِ فِي الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ إذَا اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ قَالَ: وَلَوْ سَلَّمَهُ فِي مَوْضِعٍ تُمْكِنُهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْحَقِّ ثُمَّ أَخَذَهُ بِالْقَهْرِ بَرِئَ مِنْ ضَمَانِ الْبَيْعِ، وَقَوْلُهُ: وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إلَى آخِرِهِ قَالَ شَيْخُنَا أَصَحُّهُمَا تَصْدِيقُ الْكَفِيلِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَم وُجُودِ الْحَائِلِ (قَوْلُهُ: وَيَبْرَأُ بِتَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ إلَخْ) تَسْلِيمُ الْوَلِيِّ كَتَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ إذَا سَلَّمَا أَنْفُسَهُمَا عَنْ جِهَةِ الْكَفَالَةِ كَفَى، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ قَبِلَ حَصَلَ التَّسْلِيمُ، وَإِلَّا فَلَا د، وَقَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ عَنْ جِهَتِهِ) بِأَنْ عَيَّنَ تِلْكَ الْجِهَةَ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَشْهَدَ الْمَكْفُولَ أَنَّهُ سَلَّمَ نَفْسَهُ عَنْ كَفَالَةِ فُلَانٍ، وَبَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْهَا، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ ثُمَّ الْإِشْهَادُ، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ يُسَلِّمَانِ أَنْفُسَهُمَا عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ وَقْفَةٌ؛ إذْ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِمَا، وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ قُبِلَ حَصَلَ التَّسْلِيمُ، وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ فَإِنْ أَحْضَرَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْرَأْ الْآخَرُ، وَإِنْ قَالَ: سَلَّمْت عَنْ صَاحِبِي) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَعَلَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَقْبَلْ الْمَكْفُولُ لَهُ وَلَمْ يَأْذَنْ الْكَفِيلُ فَأَمَّا إذَا قَبِلَ أَوْ أَذِنَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْرَأَ كَمَا لَوْ أَحْضَرَهُ أَجْنَبِيٌّ، وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَيْسَ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي الْإِحْضَارِ بِخِلَافِ الِاثْنَيْنِ يَتَكَفَّلَانِ فَإِنَّهُ إذَا أَحْضَرَهُ أَحَدُهُمَا فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ فَلَا يَنْدَرِجُ فِي ذَلِكَ الْحَقُّ الْمُتَعَلِّقُ بِصَاحِبِهِ قَالَ شَيْخُنَا؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاجِبًا عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُقْبَلُ اشْتِرَاكُهُ عَنْ صَاحِبِهِ فَكَلَامُ الْأَصْحَابِ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَتَقْيِيدُ الْبُلْقِينِيِّ مَرْدُودٌ، وَقَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ كَمَا رَهَنَ بِالدَّيْنِ رَهْنَانِ فَانْفَكَّ أَحَدُهُمَا) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ بِإِسْقَاطِ الْمُسْتَحِقِّ حَقَّهُ مِنْ تِلْكَ الْوَثِيقَةِ بِفَكِّ الرَّهْنِ، وَإِلَّا فَبِالْأُولَى لَا يُتَصَوَّرُ (قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيُطَالَبُ بِإِحْضَارِ غَائِبٍ عُلِمَ مَكَانُهُ) وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَكَانُهُ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ أَغَابَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ أَمْ كَانَ غَائِبًا عِنْدَهَا) سَوَاءٌ أَكَانَ بِبَلَدِ الْمَكْفُولِ حَاكِمٌ أَمْ لَا، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحُضُورُ مَعَ الْكَفِيلِ حِينَئِذٍ لِإِذْنِهِ لَهُ فِي الْكَفَالَةِ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ عَلَيْهِ أَمْ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ مُدَّةُ إقَامَةِ الْمُسَافِرِينَ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ إمْهَالُهُ لِانْتِظَارِ رُفْقَةٍ يَأْمَنُ مَعَهُمْ وَعِنْدَ الْأَمْطَارِ وَالثُّلُوجِ الشَّدِيدَةِ وَالْأَوْحَالِ الْمُؤْذِيَةِ الَّتِي لَا تُسْلَكُ عَادَةً وَلَا يُرْهَقُ وَلَا يُحْبَسُ مَعَ هَذِهِ الْأَعْذَارِ. اهـ. وَقَوْلُهُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute