كَتَحْرِيكِ الرَّأْسِ تَعَجُّبًا، وَإِنْكَارًا (فَفِيهَا تَرَدُّدٌ) أَيْ خِلَافٌ لِتَعَارُضِ اللَّفْظِ وَالْقَرِينَةِ كَمَا لَوْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ مُسْتَهْزِئًا لَك أَلْفٌ فَإِنَّ الْمُتَوَلِّيَ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّ الْأَصَحَّ اللُّزُومُ فَإِنَّهُ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَأَصْلُهُمَا إذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ ثُمَّ وَصَلَهُ بِمَا يَرْفَعُهُ أَيْ نَحْوَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، وَقَوْلُ ابْنِ الْعِمَادِ لَمْ يَقُلْ الْمُتَوَلِّي ثُمَّ وَصَلَهُ بِمَا يَرْفَعُهُ، وَإِنَّمَا قَالَ ثُمَّ قَرَنَ بِهِ مَا يَرْفَعُهُ أَيْ نَحْوَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَلْفٌ فَلَا تَلْزَمُهُ الْأَلْفُ سَهْوٌ إذْ لَمْ يَقُلْ الْمُتَوَلِّي إلَّا مَا قُلْنَاهُ وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ لَا يَحْصُلُ مَا ادَّعَاهُ لِتَعْبِيرِهِ بِثُمَّ (وَقَوْلُهُ) فِي الْجَوَابِ (أَنَا مُقِرٌّ بِهِ أَوْ لَسْت مُنْكِرًا لَهُ أَوْ لَا أُنْكِرُ دَعْوَاك) أَوْ مَا تَدَّعِيهِ (إقْرَارٌ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا أُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ مُحِقًّا لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْمُدَّعَى لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ بِشَيْءٍ آخَرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْآتِي فِي أَنَا مُقِرٌّ تَقْيِيدُ حُكْمِ أَنَا مُقِرٌّ بِهِ بِمَا إذَا خَاطَبَهُ فَقَالَ أَنَا مُقِرٌّ لَك بِهِ، وَإِلَّا فَيُحْتَمَلُ الْإِقْرَارُ بِهِ لِغَيْرِهِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَسْقَطَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى الْأَلْفِ الَّتِي لَهُ أَيْ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ أَرَدْت بِهِ غَيْرَك كَمَا لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ لِدَرَاهِمَ بِالنَّاقِصَةِ إذَا لَمْ يَصِلْهَا بِالْكَلَامِ وَكَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ تَامَّةً إذْ الْجَوَابُ مُنَزَّلٌ عَلَى السُّؤَالِ (لَا إنْ تَرَكَ الصِّلَةَ) كَقَوْلِهِ أَنَا مُقِرٌّ أَوْ لَسْت مُنْكِرًا (أَوْ الْمَفْعُولَ) كَقَوْلِهِ لَا أُنْكِرُ (أَوْ قَالَ لَا أُقِرُّ لَك بِهِ وَلَا أُنْكِرُهُ) فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ بِبُطْلَانِ الدَّعْوَى أَوْ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ يَحْتَمِلَانِ عَدَمَ الْإِنْكَارِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ، وَالرَّابِعَ فِي مَعْنَى السُّكُوتِ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الثَّالِثِ مِنْ زِيَادَتِهِ.
(وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا أُقِرُّ لَك بِهِ) لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِاحْتِمَالِهِ الْوَعْدَ بِالْإِقْرَارِ فِي ثَانِي الْحَالِ وَفَرَّقَ الْهَرَوِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيهِ مَعَ احْتِمَالِهِ الْوَعْدَ بِأَنَّ الْعُمُومَ إلَى النَّفْيِ أَسْرَعُ مِنْهُ إلَى الْإِثْبَاتِ بِدَلِيلِ النَّكِرَةِ فَإِنَّهَا تَعُمُّ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ دُونَ الْإِثْبَاتِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ هَبْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ مَتِينٌ لَكِنَّهُ لَا يَنْفِي الِاحْتِمَالَ، وَقَاعِدَةُ الْبَابِ الْأَخْذُ بِالْيَقِينِ. انْتَهَى. وَيُفَرَّقُ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَفْهُومَ عُرْفًا مِنْ لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيهِ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِخِلَافِ أُقِرُّ لَك بِهِ. (وَقَوْلُهُ) فِي الْجَوَابِ (أَبْرَأْتنِي مِنْهُ أَوْ قَدْ قَضَيْتُك إقْرَارٌ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اعْتَرَفَ بِالشَّغْلِ وَادَّعَى الْإِسْقَاطَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَعَلَيْهِ بِنِيَّةِ الْإِبْرَاءِ وَالْقَضَاءِ وَكَأَبْرَأْتَنِي مِنْهُ أَبْرِئْنِي مِنْهُ فِي أَنَّهُ إقْرَارٌ بِخِلَافِ أَبْرَأْتنِي أَوْ أَبْرِئْنِي مِنْ دَعْوَاك ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيُّ وَالْقَفَّالُ كَمَا لَوْ قَالَ صَالِحْنِي عَنْ دَعْوَاك (لَا) قَوْلُهُ (قَدْ أَقْرَرْت) لِي (بِالْبَرَاءَةِ وَالِاسْتِيفَاءِ) مِنِّي فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِشَيْءٍ، وَقَدْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا (وَلَا) قَوْلُهُ (أَظُنُّ وَعَسَى وَلَعَلَّ) وَأَحْسَبُ وَأُقَدِّرُ؛ لِأَنَّهُ لَا جَزْمَ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ الْوَعْدُ بِالْإِقْرَارِ فِي ثَانِي الْحَالِ (بِخِلَافِ) قَوْلِهِ (لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِيمَا أَعْلَمُ أَوْ أَشْهَدُ) أَوْ فِي عِلْمِي أَوْ شَهَادَتِي فَإِنَّهُ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي عِلْمِ فُلَانٍ أَوْ فِي قَوْلِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ رَوْضَةِ الْحُكَّامِ (وَقَوْلُهُ بَلَى أَوْ نَعَمْ فِي جَوَابِ أَلَيْسَ لِي عَلَيْك) كَذَا (إقْرَارٌ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْهُمَا وَقِيلَ نَعَمْ لَيْسَ إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلتَّصْدِيقِ فَيَكُونُ مُصَدِّقًا لِلنَّفْيِ الدَّاخِلِ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ بِخِلَافِ بَلَى فَإِنَّهُ لِرَدِّ النَّفْيِ، وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: ١٧٢] لَوْ قَالُوا نَعَمْ كَفَرُوا وَرُدَّ بِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْإِقْرَارِ إلَى الْعُرْفِ وَأَهْلُهُ يَفْهَمُونَ الْإِقْرَارَ بِنَعَمْ فِيمَا ذُكِرَ (وَ) قَوْلُهُ فِي جَوَابِ دَعْوَى عَيْنٍ بِيَدِهِ (اشْتَرَيْتهَا وَمَلَكْتهَا) أَيْ أَوْ مَلَكْتهَا (مِنْك أَوْ مِنْ وَكِيلِك إقْرَارٌ) لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ الْمِلْكِ لِلْمُخَاطَبِ عُرْفًا وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ وَكِيلًا فِي الْبَيْعِ وَلَا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْوَكِيلِ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ لِبُعْدِهِ عَنْ الْمَقَامِ، وَالتَّصْرِيحُ بِاشْتَرَيْتُهَا مِنْك وَبِمَلَكْتُهَا مِنْ وَكِيلِك مِنْ زِيَادَتِهِ (لَا) قَوْلُهُ (مَلَكْتهَا عَلَى يَدِك) فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ كُنْت وَكِيلًا فِي تَمْلِيكِهَا.
(وَنَعَمْ إقْرَارٌ) بِالْعَبْدِ (لِمَنْ قَالَ اشْتَرِ عَبْدِي) كَمَا أَنَّهُ إقْرَارٌ بِهِ لِمَنْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدِي (لَا) لِمَنْ قَالَ اشْتَرِ هَذَا (الْعَبْدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ) لَهُ (إلَّا بِكَوْنِهِ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لَا نَفْسَهُ أَوْ) قَالَ (مَا لَك عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ) ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الزَّائِدِ عَلَيْهِ لَا يُوجِبُ إثْبَاتَهُ وَلَا إثْبَاتَ مَا دُونَهُ (وَجَوَابُك لِلْمُتَقَاضِي) لِلدَّيْنِ كَأَنْ قَالَ لَك اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْك (بِنَعَمْ أَوْ) بِقَوْلِك (أَقْضِيك غَدًا أَوْ أَمْهِلْنِي
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
أَنَّ اللَّفْظَ، وَإِنْ كَانَ صَرِيحًا فِي الْإِقْرَارِ فَقَدْ تَنْضَمُّ إلَيْهِ قَرِينَةٌ أَوْ قَرَائِنُ تَصْرِفُهُ إلَى الِاسْتِهْزَاءِ وَالتَّكْذِيبِ كَتَحْرِيكِ الرَّأْسِ الدَّالِّ عَلَى شِدَّةِ التَّعَجُّبِ وَالْإِنْكَارِ. اهـ. قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ اتِّبَاعِ الْقَرَائِنِ سَدِيدٌ، وَقَوْلُهُ قَالَ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا أُقِرُّ لَك بِهِ إلَخْ) وَخَالَفَ قَوْلَ الشَّاهِدِ أَشْهَدُ بِكَذَا فَإِنَّهُ إقَامَةٌ لِلشَّهَادَةِ، وَإِنْ أَتَتْ صِيغَةُ وَعْدٍ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهَا لَا تَتَأَتَّى إلَّا بِهَذَا اللَّفْظِ (قَوْلُهُ: قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَلَك أَنْ تَقُولَ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِنْكَارَ وَالْإِقْرَارَ نَقِيضَانِ، وَإِنْ انْتَفَى أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ فَلِذَلِكَ قَطَعُوا بِكَوْنِهِ مُقِرًّا (قَوْلُهُ: وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ) فَلَوْ قَالَ مَا مَا لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ أَوْ مَا مَا بِعْته هَذِهِ الْعَيْنَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ صَارَ التَّقْدِيرُ لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ وَبِعْته هَذِهِ الْعَيْنَ وَسَبَبُهُ أَنَّ التَّأْسِيسَ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ نَعَمْ إنْ ادَّعَى الْمُقِرُّ أَنَّهُ أَرَادَهُ قُبِلَ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَرَّرَ أَنْتِ طَالِقٌ (قَوْلُهُ: وَرُدَّ بِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْإِقْرَارِ لِلْعُرْفِ إلَخْ) شَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ نَحْوِيًّا وَالْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَمَلَكْتهَا مِنْك) أَيْ أَوْ عَلَيْك.
(قَوْلُهُ وَنَعَمْ إقْرَارٌ لِمَنْ قَالَ اشْتَرِ عَبْدِي) تَخْصِيصُهُ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ بِالشِّرَاءِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ اسْتَأْجِرْ عَبْدِي هَذَا أَوْ ارْتَهِنْهُ أَوْ اسْتَعِرْهُ أَوْ تَزَوَّجْ مِنِّي جَارِيَتِي هَذِهِ فَقَالَ نَعَمْ لَا يَكُونُ إقْرَارًا وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ، وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَجَوَابُك لِلْمُتَقَاضِي بِنَعَمْ إلَخْ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ، وَلَوْ قَالَ اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْك فَقَالَ أَعْطِنِي غَدًا أَوْ ابْعَثْ مَنْ يَأْخُذُهُ أَوْ أَمْهِلْنِي حَتَّى أَضْرِبَ الدَّرَاهِمَ أَوْ أَفْتَحَ الصُّنْدُوقَ أَوْ اُقْعُدْ حَتَّى تَأْخُذَ أَوْ لَا أَجِدُ الْيَوْمَ أَوْ لَا تُدِمْ الْمُطَالَبَةَ أَوْ مَا أَكْثَرَ مَا تَتَقَاضَى أَوْ وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ اللُّزُومِ فِي أُعْطِي غَدًا وَنَحْوِهِ مِمَّا عُرِّيَ عَنْ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute