للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل لمالك: فَلِمَ يُقتلُ الزِّنديق ورسول الله لم يقتل المنافقين * (١) وقد عرفهم النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم -؛ لأنّه لو قتلهم وهو يُقرُّونَ بالايمانِ لكان ذلك ذريعة إلى أنّ يمتنعَ خَلْقٌ كثيرٌ عن الدّخول في الإسلام، هذا معنى قول مالكٌ، ويشهد له قولُه - صلّى الله عليه وسلم - أنّه قال: "ألَّا يتحدَّثَ النّاسُ أنِّي أقتلُ أصحابِي" (٢).

احتجّ ابن الماجِشُون في قتل الزِّنديقِ بقوله تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ} الآية إلى. قوله: {أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} (٣) يقول: إنَّ الحُكمَ فيهم أنّ يقتلوا حيث وُجِدُوا، ولم يذكر استتابةً، فمن لم يتب ولا انتهى عمّا كان عليه المنافقونَ في زَمَنِ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قُتِلَ حيثُ وُجِدَ، ومالُه لوَرَثَته المسلمين. هذا تحصيلُ مذهب مالك.

والحُجَّةُ له: أنّ الزِّنديقَ مُظهِرٌ لدِينِ الإسلام، والشّهادةُ عليه بأنه يُسرُّ الكُفرَ لا تُوجِبُ القَطعَ على عِلْمِ ما يشهده الشّهود.

والعمدةُ فيه: أنّ مال كلِّ مقتولٍ ومَيِّتٍ لِوَرثتَهِ، إلَّا أنّ يصحّ أنهّم على دِينٍ سوى دينه. واختلف غيره في اسْتِتَابَةِ الزِّنديقِ المشهودِ عليه بالزَّنْدَقَة؛ أنّه لَوْ استُتيبَ لثبتَ قولُه أنّه مسلم، فلهذا كلِّه لم ير مالك نقل المال عن وَرَثَتِهِ.

المسألة الثّانية (٤):

أمّا ابنُ نافع، فإنّه يجعل ماله فيئًا لجميع المسلمين، وكلاهما أيضًا مرويٌّ عن مالك.

قال الإمام - ووجهُ روايةِ ابن نافع: أنّ الدَّمَ أعظم حُرْمَةَ من المالِ، والمالُ تَبَعٌ للدَّمِ.

المسألة الثّالثة (٥):

اختلف قولُ أبي حنيفة وأبي يوسف في الزِّنديق، فقالا مرّة: يُسْتتابُ الزِّنديقُ.


(١) ما بين النجمتين ساقط من النسختين بسبب انتقال نظر ناسخ الأصل، وقد استدركنا النقص من الاستذكار.
(٢) أخرجه مسلم (١٠٦٣) من حديث جابر.
(٣) ١ لأحز اب: ٦٠ - ٦١.
(٤) هذه المسألة مقبسة من الاستذكار: ٦/ ٣٣٧.
(٥) هذه المسألة مقتبسة من المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>