* قلتُ: مُصِيبَةُ هؤُلاء أنَّهُم لم يُمَارِسُوا عِلمَ الحديثِ، ولم يُعَانُوا النَّظَر في كُتب الأَئِمَّة الماضِينَ. وأَكثَرُ هؤُلاءِ على طرِيقَةِ المُتسَاهِلِين من المُتأَخِّرِين، أَمثَالِ السِّيُوطِيِّ وغَيرِهِ في دَعوَى رَدِّ أنَّ الحَدِيثَ مَكذُوبٌ؛ لأنَّهُ لا يُوجَدُ في إسنادِهِ وَضَّاعٌ، أو كَذَّابٌ. فتَرَى السِّيُوطِيَّ في كتابه "اللآلئ المصنُوعَة" يرُدُّ كثِيرًا على ابنِ الجَوزِيِّ في حُكمِهِ على الحديثِ بالوَضعِ، فيقُولُ: "ليس بموضُوعٍ؛ وفُلانٌ رَوَى له ابنُ مَاجَهْ"، فإذا رَجَعتَ إلى ترجمَةِ هذا الرَّاوِي وجَدتَهُ ساقِطًا عن حدِّ الاعتِبَارِ بحدِيثِهِ، وأَجمَعَ العُلماءُ على تَركِهِ.
* فهُو يُرِيدُ أن يَقُولَ: الحديثُ ضعيفٌ جِدًّا, ولكنَّهُ ليسَ موضُوعًا إِذ أَنَّهُ في غالب أمرِهِ، يَستَلزِمُ وُجُودَ كذَّابٍ في الإسناد حتَّى يَحكُمَ عليه بالوَضعِ. وهذا ليسَ بِلازِمٍ؛ فالرَّاوِي المُغَفَّلُ قد يُلَقَّنُ بالحديث المكذُوبِ، ولِغَفلَتِهِ. يَروِيهِ.
* وسأُعطِيكَ نمَاذِجَ من تَصرُّفِ عالِمٍ من أَكبَرِ عُلَمَاءِ الحديثِ في زَمَانِهِ -أَلا وهو أبو حاتِمٍ الرَّازِيُّ- حَكَمَ على الحديثِ بأنَّهُ موضُوعٌ، أو مَكذُوبٌ، أو مُفتَعَلٌ، مع أنَّ رَاوِيهِ مَجهُولٌ، أوسَيِّئُ الحِفظِ، بَل وَقَد يَكُونُ ثِقةً، أو ما يُقَارِبُهُ، وَيحكُمُ على حديثِهِ بالوَضعُ.
* فهاك بعضُ أمثِلَةٍ، من كِتابِ "عِلَل الحَدِيث" لابن أبي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ -رَحمَةُ الله عَلَيهِمَا-. . ١ - قال (رقم ١٠٤): "وسألتُ أبي عن حدِيثٍ رواهُ ابنُ لَهِيعَةَ، عن عُقَيْلٍ، عن ابنِ شِهاب، عن عُروَةَ، عن أُسامَةَ بنِ زيدٍ، عن أبِيهِ، عن النبيّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، أنَّ جِبرِيلَ؛ أتَاهُ، فأَرَاهُ الوُضوءَ، فلمَّا فَرَغَ نَضَحَ فَرجَهُ. قال أبي: هذا حدِيثٌ كَذِبٌ باطِلٌ".
* [وراجع باقي النماذج في تراجم: أبو سفيان الأنماري وثابت بن موسى وبشر بن المنذر الرملي وهشام بن عمار وعبد الكريم بن عبد الكريم الناجي