للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤]، وقولُه تعالى في صِفَتِهِم: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: ٢٨]، وقولُه: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: ٢٧].

* وأمَّا إن قيل: إنَّ التَّكَليفَ كان زائلا عن فِرعَونَ في ذلك الوَقتِ، فحينئذٍ لا يَبقَى لهذا الفعلِ الذي نُسبِ جبريلُ إليه فائدة أصلًا" انتهَى.

* قلتُ: وهذه طريقةٌ للفَخرِ الرَّازِيِّ في الاعتراض على صَحِيحِ الأخبارِ، إذ يُورِدُ عليها مِثلَ هذه الشُّبُهاتِ، ولا يَجتَهِدُ في البَحث عن مخَارج مقبُولَةٍ.

* وقد أبنتُ عن طريقَتِه هذه في كتابي "قَوَادِمُ البَازِي المُنقَضِّ على تفسِيرِ الفَخرِ الرَّازِي". ومنه أنقُلُ هذا الرَّدَّ؛ لأنه لم يُطبَع بعدُ.

* فقد أجابَ العُلماءُ عن هذا الاعتراضِ، منهُمُ الخازِنُ في "تفسيره"، فقال مُجِيبًا -كما في "تحفَة الأَحوَذِي" (٨/ ٥٢٧ - ٥٢٨) -:

* "إنَّ الحديثَ قد ثَبَتَ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فلا اعتراضَ عليه لأحدٍ.

* وأمَا قولُ الإمامِ: "إنَّ التَّكَليفَ هل كانَ ثابتًا في تلك الحالةِ أم لا؟ فإنْ كانَ ثابتًا لم يَجُزْ لجبريلَ أن يَمنَعَهُ من التَّوبةِ"، فإنَّ هذا القولَ لا يَستقِيمُ على أَصلِ المُثبِتينَ للقَدَرِ، القَائِلينَ بخَلقِ الأَفعالِ لله، وأنَّ الله يُضِلُّ مَن يشاءُ، ويَهدِي من يَشاءُ. وهذا قَولُ أهلِ السُّنَةِ المُثبِيينَ للقَدَرِ، فإنَّهُم يقولُون إنَّ الله يَحُولُ بين الكافر والإيمانِ، ويدُلُّ على ذلك قولُه تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: ٢٤]، وقولُهُ تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: ١٥٥]، وقال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: ١١٠]، فأخبَرَ اللهُ تعالى أنَّهُ قلَّبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>