للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفئِدَتَهُم مِثلَ تَركِهِم الإيمان أوَّلَ مرَّةٍ. وهكذا فَعَل بفرعونَ، مَنعَهُ من الإيمانِ جزاءً على تَركِهِ الإيمانِ أوَّلا.

* فدَسُّ الطِّينِ في فِيّ فرعونَ من جِنسِ الطَّبعِ والخَتْمِ على القَلبِ، ومَنعِ الإيمانِ، وصَونِ الكَافِرِ عنه، وذلك جزاءً على كُفرِهِ السَّابِقِ. وهذا قولُ طائفةٍ من المُثبِتِينَ للقَدَرِ، القَائِلِينَ بخَلقِ الأفعالِ لله.

* ومن المُنكِرِينَ لخَلقِ الأَفعَالِ مَن اعتَرَف أيضًا أنَّ اللهَ يَفعَلُ هذا عُقوبَةً للعبد على كُفرِهِ السَّابِقِ، فيَحسُنُ مِنهُ أن يُضِلَّهُ، ويَطبَعَ على قَلبِهِ، وَيمنَعَهُ من الإيمانِ.

* فأمَّا قِصَّةُ جِبريلَ فإنَّها من هذا البابِ، فإنَّ غايَةَ ما يُقالُ فيه إنَّ اللهَ مَنَع فرعونَ من الإيمانِ، وحالَ بَينَهُ وبَينَهُ؛ عُقُوبةً له على كُفرِهِ السَّابقِ وردِّهِ للإيمانِ لمَّا جاءَ.

* وأمَّا فِعلُ جبريلَ مِن دَسِّ الطِّين فإنَّما فَعَل ذلك بأمر الله، لا مِن تِلقاءِ نَفسِهِ.

* فأمَّا قولُ الإمامِ: "لم يَجُزْ لجبرِيلَ أن يَمنَعَهُ من التَّوبة، بل يَجِبُ عليه أن يُعِينَهُ عليه، وعلى كُلِّ طاعةٍ"، هذا إذا كان تَكلِيفُ جِبريلَ كتَكلِيفِنَا، يجبُ عليه ما يَجِبُ علينا، وأمَّا إذا كان جبريلُ إنما يَفعَلُ ما أَمَرَهُ اللهُ به، واللهُ هو الذي مَنَع فرعونَ من الإيمانِ، وجبريلُ مُنَفِّذٌ لأمر الله، فكيفَ لا يجُوزُ له مَنعُ مَن مَنَعَهُ اللهُ من التَّوبة؟ وكيف يَجِبُ عليه إعانةُ مَن لم يُعِنهُ الله؟ بل قَد حَكَم عليهِ وأخَبَر عَنهُ أنَّهُ لا يُؤمِنُ حتَّى يَرَى العذابَ الأليمَ حِينَ لا يَنفَعُهُ الإيمانُ؟

* وقد يُقالُ: إنَّ جبريلَ إمَّا أن يتصرَّفَ بأمرِ الله فلا يَفعَلُ إلا ما أمَرَ اللهُ بِهِ، وإمَّا يَفعَلُ ما يشاءُ مِن تِلقاءِ نَفسِهِ، لا بأمرِ الله، وعلى هَذَين التَّقدِيرَينِ فلا يَجِبُ عليه إعانةُ فِرعونَ على التَّوبةِ، ولا يَحرُمُ عليه مَنعُهُ مِنهَا؛ لأنَّه إنَّما يَجِبُ عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>