وإنما كان يعتمد علي كتابه، ولم ينكروا عليه شيئًا حدث به من حفظه، وأثنوا على كتبه بالصحة. قال ابن عمار الموصلي:"حُجَّةٌ، كانت كتبه صحاحًا".
* فأما ما حكاه العقيليّ (ق٣٨/ ١) عن أحمد: "لم يكن بالذكيِّ! اختلط عليه حديث أشعث، وعاصم الأحول، حتى قدم عليه بهزٌ، فعرَّفه" فهذا لا يعطي ما زعمه الطاعن من سوء حفظ جرير. بل إني انظر إلى قولة أحمد، فأجدها ترفع جريرًا ولا تضعه!!.
* ذلك أنه من تمام التقوي، وكمال الصدق أن يبين ما اختلط عليه ولا يُخْفِيه، فإنه لا يُطلب من المحدث أن لا يشُكَّ في شيء وإنما المطلوبُ منه أن لا يحدث إلا بما يتقنه، فإن حدَّث بما لا يتقنه بيَّن الحال، فإذا فعل ذلك، فقد أَمِنَّا من غلطه، وحصل بما ذلك المقصود من الضبط. فمعنى هذا: أن جريرًا بَيَّنَ لمن يروي له أن حديث أشعث وعاصم اختلط عليه، حتى ميز له بهز، ويفهم من هذا أنه لم يحدث بها حال اختلاطها عليه، حتى قدم بهز، فكان إذا حدَّث بَيَّنَ الحال أفيُلام جريرٌ علي مثل هذا الصنيع المشكور؟!
* إذا محاسني اللاتي أَدُلُّ بها عدت. . . عيوبًا، فقل لي كيف أعتذرُ؟!
* وقد ذُكِرَتْ كلمةُ أحمد لابن معين، فقال:"ألا تراه قد بيَّنها" يعني أن جريرًا يشكر على فعله، ولا يجوز أن يقدح فيه بحالٍ.
* فإن قيل: فإنه يؤخذ مما مضى أنه لم يكن يحفظ، وإنما كان اعتماده على كتبه؟! فالجواب: أن هذا لا يعطي ما زعمه الطاعن أنه كان سيء الحفظ، فإنَّ هذه الكلمة إنما تُطْلق في صدد القدح فيمن لا يكونُ جيد الحفظ، ومع ذلك يُحدِّثُ من حفظه، فيُخْطيء. فأما من كان لا يُحدث من حفظه إلا بما أجاد كجريرٍ، فلا معنى للقدح فيه بأنه لم يكن جيد الحفظ. والله الموفق. بذل الإحسان ١/ ٣٨ - ٤٢