النِّزاعُ بين المُحَدِّثين والفُقَهاء. والصَّحيح أنَّهُ ليس بحُجَّةٍ على انفِرَادِه، إلا إذا انضاف إليه ما يُعَضِّدُهُ، كما هو مُقَرَّرٌ في مَوضِعِه.
* وتَوَسَّعَ المُتأَخِّرُون في قَبُول الضَّعيف، لاسيَّما في فَضَائِل الأَعمَالِ، وجَعَلُوا الحديثَ المُنكَرَ من جُملَة الضَّعيف، والحديثُ المُنكَرُ -لا سيَّما عند مُتَقَدِّمي العُلماء- هو والعَدَمُ سِيَّان، فيَأتِي المُتأخِّرُ فيَعمَلُ به على اعتبار أنَّهُ ضعيفٌ، وأنَّه يُعمَلُ بالضِّعيف في الفَضائِل, غيرَ مُعتَبِرٍ قدرَ الضَّعف فيه. فاتَّسَع الخَرْقُ على الرَّاقِعِ.
* والصَّوابُ من القَولِ في هذا، والذي أدينُ اللهَ تعالى به أنه: لا يَجُوزُ أن يُحتَجَّ في شيءٍ من الدِّين إلا بالحديثِ الصَّحيح أو الحَسَنُ، لا فَرقَ عندنا بين حُكمٍ شَرعِيِّ في الحَلال والحرام، وبين فَضِيلَةِ عَمَلِ، وهذا مَذهَبُ أكابرِ العُلمَاء مثلِ ابن مَعِينٍ، والبُخَارِيِّ، ومُسلِمٍ، وأبي حاتِمٍ، وأبي زُرعَةَ، وابن خُزَيمَةَ، وابن حبَّانَ، وأبي زَكَرِيَّا النَّيسابورِيِّ، في آخَرِين يطُولُ الأمرُ بذِكرِهِم.
* ومن الغرائب أنَّ أحد تَلامِذَةِ هؤُلاء الغُمارِيِّين من أهل عَصرِنا، وممَّن ابتُلِيَت مِصرُ بأنَّهُ صار مُفييًا لها، ادَّعَى أنَّ الذي زَعَم أنَّ الضَّعيفَ لا يُعمَلُ به مُطلقًا هو الشَّيخُ الألباني، وزَعَمَ -وهو شافعيُّ المَذهَب- أنَّ الإمامَ الشَّافعيَّ كان يَحتَجُّ بالحديثِ الضَّعيف في الحَلال والحَرام، وكذلك سائرُ الأئِمَّةِ المُحَدِّثين كأبي داوُدَ، والنَّسائِيِّ، والتّرمِذِيِّ، وغَيرِهِم بغَيرِ نَكيرٍ من أحدٍ عَلَيهِم، وهو كاذبٌ في كُلِّ هذا، كما بيَّنتُه في "قَطعِ الأَبهَر من المُفتِي وشَيخِ الأزهَر" -وأعني بشيخ الأَزهَرِ الدُّكتورَ مُحمَّد سَيِّد طنطاوي- وكتبتُ منه مُجَلَّدَةً. لكنَّنِي في هذه العُجَالَةِ سَأَذكُرُ كلامًا للإمام الشَّافعِيِّ خاصَّةً، تَوَقَّفَ عن العَمَل بالحديثِ لأنَّهُ لم تَثبُت صِحَّتُه، فلوكان يحتَجُّ بالضَّعيف كما يَزعُم هذا الكاذبُ، فما الذي جَعَلَهُ يتوقَّفُ عن الأَخذِ بالحديثِ؟! وكنتُ قرأتُ قديمًا في "فَتح الباري" أنَّ