[المحرمات من النساء بالنسب]
أما المحرمات بالنسب: فسبع، والمحرمات بالرضاع: سبع أيضاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) ، والمحرمات بالمصاهرة: أربع: امرأة الأب، وامرأة الابن، وأم الزوجة، وبنت الزوجة، هؤلاء المحرمات بالمصاهرة، وامرأة الأب سواء دخل بها الأب أو لم يدخل، قال سبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء:٢٣] ، وهذا في بيان المحرمات بالنسب، فقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ} ، نص قطعي الدلالة بالتحريم، وقد تقدم أن النصوص التي تحرم على قسمين: نصوص ظنية الدلالة في التحريم، ونصوص قطعية الدلالة في التحريم.
فقوله تعالى: (حُرِّمَتْ) : نص قطعي الدلالة في التحريم، لكن إذا قال لك قائل: هل السجائر حرام أو ليست بحرام؟ فإن قلت: إنها حرام، فهو استنباط من النصوص؛ كحديث (لا ضرر ولا ضرار) ، وقوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:١٩٥] ، وقوله تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء:٢٧] ، هذه النصوص ليست قطعية الدلالة في التحريم إنما هي ظنية الدلالة.
فنصوص التحريم على قسمين: إما قطعي الدلالة؛ كأحل الله كذا أو حرم الله كذا، أو ظني الدلالة كالذي سمعتموه، فقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) ، أي: حرم عليكم نكاح أمهاتكم، فهنا مقدر محذوف في الآية، لابد أن تقدر شيئاً، فالرضاع من أمهاتنا حلال، فلا يقول شخص: حرم عليكم الرضاع من أمهاتكم، ولا يقول شخص: حرمت عليكم السكنى مع أمهاتكم، لكن هنا مقدر اتفق عليه العلماء وهو: حرم عليكم نكاح أمهاتكم، أو حرمت عليكم أمهاتكم أن تنكحوهن، والتقدير المحذوف يرد كثيراً في القرآن، بل وفي لغة العرب، وقد مُلئت لغة العرب بالتقديرات المحذوفة التي فهمت من السياق، كما في قول الشاعر: وسبحت المدينة لا تلمها رأت قمراً بسوقهم نهارا أي: فسبح أهل المدينة، ومثل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف:٨٢] أي: واسأل أهل القرية.
قال الله سبحانه وتعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) والمراد بالأم هنا: الأم التي ولدت، وهي مبهمة لا تحل بأي حال من الأحوال، وليس هناك أي منطق تحل به الأم، وليست هناك أي وسيلة تستطيع بها أن تتزوج أمك، فسميت مبهمة لانسداد الطرق الموصلة إلى نكاحها، فلا تحل بأي حالٍ من الأحوال.
ويقصد الأم وإن علت، أم الأم، وأم الأب، وأم الجد، وهي أولى المحرمات بالنسب.
{وَبَنَاتُكُمْ} [النساء:٢٣] ، المراد بهن: البنات للأصلاب ليس المراد بنات التبني، فإذا تبنيت طفلة وألحقتها بك يحل لك أن تتزوجها، فالتبني لا يحرم إنما المحرم هنا البنت للصلب -يرحمك الله- وهي أيضاً مبهمة، أي: أن ابنتك لا تحل لك بأي حال من الأحوال.
ويلحق بالبنت هنا مسألةٌ نبهنا من قبل على أن قدم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى زلت فيها، وهي مسألة البنت المخلوقة من ماء الزاني، يعني رجلٌ زنى بامرأة فولدت له بنتاً، هذه بنت الزنا هل يحل للزاني أن يتزوجها؟ الجمهور من العلماء قالوا: لا، بل يحرم عليه أن يتزوجها، والإمام الشافعي رحمه الله وعفا عنه يرى جواز ذلك، وقاس النكاح على الميراث، قال: كما أنها لا ترث شرعاً إذاً يجوز التزوج بها كما أنها لا ترث، إذاً: فهي أجنبية ويجوز التزوج بها، فتعقب بتعقباتٍ لاذعة، إلى أن قال الشاعر الذي يتستر ويخفي مذهبه: إن يسألوا عن مذهبي لم أبح به وأكتمه كتمانه لي أسلم إلى أن قال: فإن شافعياً قلت قالوا: بأنني أبيح نكاح البنت والبنت تحرم فهذا مراده بهذه الجزئية، (أبيح نكاح البنت) أي: المخلوقة من ماء الزاني، والبنت تحرم، ومن العلماء من قال: إن الشافعي قال: إنني أكره نكاحها ولم يقطع بالتحريم أو بالإباحة، ولكن هذا هو الثابت عند الشافعية، وقد حاول الحافظ ابن كثير -باعتباره شافعي المذهب- أن ينتصر بعض الانتصار أو يومئ بعض الإيماء إلى سلامة ما اختاره الشافعي في هذا، لكن المشهور عند الشافعية الإباحة، أما الجمهور فعلى المنع، وقد احتج شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله للمنع بما حاصله: ليست كل من لا ترث يحل الزواج بها؛ فأمك من الرضاعة لا ترث ولا يحل لك أن تتزوج بها، وابنتك من الرضاعة لا ترث ولا يحل لك الزواج بها، وأطال النفس في تعقباته على هذا الرأي، والله أعلم.
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء:٢٣] ، وهي الثانية من المحرمات، وهي مبهمة أيضاً من المحرمات بالنسب.
{وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء:٢٣] سواء الأخت الشقيقة أو الأخت لأم أو الأخت لأب محرمة، وهي مبهمة أيضاً، أي: لا تستطيع أن تصل إلى الزواج بها بأي حال من الأحوال.
{وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ} [النساء:٢٣] ، عمتك وإن علت أو عمة أبيك أو عمة جدك أو عمة أمك.
(وخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء:٢٣] والخالة وإن علت كما سبق في العمة، وكذلك بنات الأخ سواء كان أخاً شقيقاً أو أخاً لأمك أو أخاً لأبيك وبنات الأخت كذلك.
فهؤلاء السبع: أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت من المحرمات بالنسب.