لا نعلم دليلاً على تحديد أيام القصر، والذين استدلوا على تحديد القصر بثلاثة أيام أو بعدد معين من الأيام أدلتهم صحيحة لكنها ليست صريحة، فـ ابن عباس -مثلاً- يقول:(إن الرسول عليه الصلاة والسلام سافر تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة) فإذا زدنا عن تسعة عشر يوماً أو سبعة عشر يوماً أتممنا، وإذا أقللنا عن تسعة عشر يوماً قصرنا، وهذا وجه عليه مأخذ؛ لأنه ما أدراك أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا مكث شهراً سيتم؟! أما الآخرون فقد أخذوا من فعل الرسول عليه الصلاة والسلام في الحج حيث مكث في الحج يوم النحر الذي هو العاشر من ذي الحجة، ويوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر إلى وقت الزوال، ثم صلى الظهر بمزدلفة، فقالوا: إن صلاة الفجر التي صلاها الرسول عليه الصلاة والسلام في منى يوم الثالث عشر مكان صلاة الفجر التي صلاها في مزدلفة يوم النحر؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يصل الفجر يوم النحر في منى، بل جلس في منى يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء، إن سلم لهم بهذا القول.
وقد بنوا على أن الرسول ما مكث مدة متصلة يقصر فيها الصلاة إلا هذه الثلاثة الأيام، لكن السؤال أيضاً يرد عليهم: من أخبركم أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا مكث أكثر لم يتم بل لم يقصر؟ ابن عباس رضي الله عنه عدّ المدة التي خرج فيها الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى أن رجع المدينة، فالرسول عليه الصلاة والسلام تحرك من المدينة إلى الحج يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة، وتحرك من مكة راجعاً يوم الثالث عشر، ولا أدري كيف حسبها رضي الله عنه لكنها وصلت إلى تسعة عشر يوماً.
لكن الأدلة ليست صريحة، ولذلك اختار عدد من العلماء المتحررين من التقليد أن الشخص إذا مكث أي مدة مادام مسافراً ولم يتخذ دار إقامة أن له قصر الصلاة، والله أعلم.