وقوله تعالى:{وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ}[النساء:٧٢] فريق منكم يتباطأ في نفسه، ويبطئ غيره معه، كما قال تعالى:{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}[التوبة:٤٧] ، قد تَقْدُمُ على فعل خير من الخيرات، وتجد أخاً لك بجوارك ملتحياً يثبطك عن هذا الخير، ويخوفك عن فعله ويصدك عنه، فيكون وجوده أشد ضرراً من غيابه، وهذا الشأن كان في كثير من أهل النفاق على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، يخرجون في الصفوف مع النبي عليه الصلاة والسلام؛ فيثبطون أهل الإيمان، ويخوفون أهل الإيمان ويقولون لهم:{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}[آل عمران:١٧٣] ، فيثبت الله سبحانه وتعالى الذين آمنوا بالقول الثابت، قال تعالى في هذا المعنى:{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا}[الأحزاب:١٨] ، وقوله: (ولا يأتون البأس) أي: القتال، وهنا يقول سبحانه:{وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ}[النساء:٧٢] جراح أو هزيمة أو شهادة في سبيل الله، فالموت مصيبة، قال تعالى:{فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ}[المائدة:١٠٦] .
قال تعالى:{فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا}[النساء:٧٢] دليل على أن المنافق يعرف الله أيضاً، المنافق يعرف أن له رباً وخالقاً بدليل أنه يقول:{قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ} ، كذلك المشرك كما في قوله تعالى:{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأنفال:٣٢] ، وفي هذه الآية الأخيرة عبر بها يهودي عبد الله بن عباس يسأله فيقول له: من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن عباس، قال: من أين؟ قال: من قريش، قال: أنت من القوم الذين قالوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً} هلا قالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليك! فقال له ابن عباس: وأنت يا إسرائيلي من القوم الذين ما زالت أرجلهم مبللة بماء البحر، حتى إذا مروا على قوم يعكفون على أصنام لهم ((قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة)) فرد عليه عبد الله بن عباس وكان سريع البديهة رضي الله تعالى عنهما بآية مشابهة تشبه مقالته التي قال.