للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان المراد بالآيات إذا حملت العاديات على أنها الخيل]

قال تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} [العاديات:١] ، أقسم الله بالعاديات، ما هي هذه العاديات؟ العدو: هو الجري، فالحقيقة أنه قسم بصفة.

فـ (العاديات) جمع عادية، والعدو معروف وهو: الجري، فأقسم الله سبحانه وتعالى بشيء يجري ويضبح، والضبح هو صوت النفس الشديد بعد الجري، فما المراد بالعاديات التي أقسم الله بها؟ جمهور العلماء قالوا: العاديات هي الخيل التي تجري وتعدو بسرعة نحو العدُوّ، هذه المناظر كان يعرفها العرب ويألفونها، مناظر تستقر في الأذهان؛ لأن على إثرها يتم وقتل أو أسر أو نصر أو هزيمة، خيول تجري مسرعة بسرعة فائقة مندفعة نحو العدو، فيحصل معها إما قتل لهذا أو قتل لذاك، أو نصر لهذا وهزيمة لذاك.

فأقسم الله بالعاديات التي هي الخيول التي تجري مسرعة نحو العدو، وتضبح بعد جريها، أي: تأخذ نفساً شديداً وتحمحم حمحمة بعد هذا الجري، فالضبح هو: صوت الأنفاس، وهو الحمحمات، (وَالْعَادِيَاتِ) أي: والخيل العاديات التي تجري نحو العدو بسرعة.

وهنا لفتة سريعة: وهي أن الله أقسم بالخيل العادية ولم يقسم بالخيل التي تحمل الزبالات، بل بالخيل العادية القوية التي تجري نحو العدو، فهناك تفاضل بين الدواب، فهناك فرس نشيط همته عالية، وفرس كسول، فرس لا يرضى أن يقف عند المزابل بل يمشي سريعاً إلى القتل والقتال، وفرس خامل بليد، رضي بالذلة والهوان، ورضي بالوقوف عند المزابل إلى غير ذلك.

{فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا} [العاديات:٢] ، يوري أي: يستخرج الشرر، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} [الواقعة:٧١] أي: التي توقدون وتستخرجون شررها {أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ} [الواقعة:٧٢] ، (فَالْمُورِيَاتِ) ، أي: الخيل إذا جرت واحتكت حوافرها بالأحجار وكانت سريعة في جريها، يخرج شرر من أثر احتكاك الحوافر بالأحجار، فتقدح الشرر أثناء جريها من شدة سرعتها.

العاديات ضبحاً: الخيل التي تجري بسرعة فائقة، فيخرج منها النفس، وتخرج منها الحمحمات، وهذه الخيول توري النيران وتستخرج الشرر من الأحجار التي تحتك بها أرجلها.

(فَالْمُغِيرَاتِ) أي: الخيل التي تغير على العدو صباحاً، {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} [العاديات:٣] أي: الخيول تجري في الصباح مسرعة نحو العدو، يسمع لأنفاسها صوت، تحتك حوافرها بالأحجار فتستخرج الشرر، هذا كله على تأويل العاديات على أنها الخيل.

{فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} [العاديات:٤] أي: بهذا الفرس القوي السريع، ومعنى (أثرن) : أي: رفعن، والنقع: هو الغبار، يعني: من سرعته هيج التراب، حين تمشي السيارة مسرعة يخرج الغبار خلفها فكذلك الخيل، أثرن به نقعا، من الإثارة، فينفعل ويخرج كل ما عنده.

{فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} [العاديات:٥] أي: توسطنا بهذه الخيول جموع العدو، فالخيل هذا تمثيلها، خرجت مسرعة شديدة في الصباح في اتجاه العدو، فاستخرجت عند جريها الشرر من الأحجار، فتوسطت المعركة، فأثارت الغبار أثناء سيرها، ودخلت في وسط جموع العدو، وهذا التأويل عليه الأكثر.