{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}[المطففين:١٥] أي: لن يروا ربهم يوم القيامة، فالمفهوم المخالف للآية الكريمة: أن أهل الإيمان يرون ربهم يوم القيامة، وهذا من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، خلافاً للمعتزلة ولسائر الطوائف، فمن أصول الاعتقاد: أن أهل الإيمان يرون ربهم سبحانه وتعالى يوم القيامة، قال الله تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس:٢٦] ، وقد فسرت في حديث مسلم -وإن كان فيها نوع انتقاد- بأن الزيادة هي: النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى، وقال تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة:٢٢-٢٣] على قول لبعض المفسرين في تفسيرها، وأصرح من هذا وذاك قول جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:(نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر) ، وفي رواية في الصحيحين:(إنكم سترون ربكم عياناً) ، وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل:(هل نرى ربنا يوم القيامة يا رسول الله؟! فقال عليه الصلاة والسلام: هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يارسول الله! قال: هل تضارون في رؤية القمر في ليلة صحو؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنكم سترون ربكم ... ) الحديث المطول وفيه: (فيأتيهم ربهم في صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا ... ) الحديث.
وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الطويل:(وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة) ، ومن الطرائف التي ذكرت في هذا الباب: مناقشة جرت بين رجل سني بمدينة صنعاء باليمن وبين رجل معتزلي، فقال السني: إننا سنرى ربنا يوم القيامة وهذه الأدلة على ذلك، قال المعتزلي: لا يُرى الرب أبداً لا في الدنيا ولا في الآخرة، واستدل بقوله تعالى:{لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام:١٠٣] ، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}[الشورى:٥١] السني حمل هذه الأدلة على الدنيا؛ لأن الأدلة الواردة في الآخرة ثابتة، فاشتد الجدل بينهما فقال له العالم السني: نتفق على شيء، قال: وما هو؟ قال: نحن سنرى ربنا وأنتم لن تروا ربكم.
قال الله سبحانه وتعالى:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا}[المطففين:١٥-١٦] أي: ذائقو {الْجَحِيمِ}[المطففين:١٦] ومصليون بها (لصالو الجحيم) .
{ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}[المطففين:١٧] هذا اليوم وهذا العذاب كنتم تكذبون به، كنتم تقولون:{رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا}[ص:١٦] أي: حظنا من العذاب {قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ}[ص:١٦] .