للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل خطاب الذكور يشمل الذكور والإناث؟]

قوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) (يا) دائماً تكون حرف نداء، و (أي) منادى، والهاء للتنبيه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:٩] هنا يثار مبحث فقهي أصولي، فحواه: هل خطاب الذكور يشمل الذكور والإناث، أم أن خطاب الذكور للذكور، ويلزم أن يكون هناك خطاب آخر للإناث؟ أي آية فيها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) هل يدخل فيها الرجال والنساء أم هي خاصة بالرجال، ويلزم أن يكون هناك خطاب آخر يتعلق بالنساء؟ هذه قاعدة أصولية تنبني عليها جملة من الأحكام الفقهية.

من الأحكام التي تترتب على هذه القاعدة: مسألة المجامع في رمضان، أي: الرجل الذي جامع امرأته في رمضان، فقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصوم شهرين متتابعين، فلما لم يستطع أمره أن يطعم ستين مسكيناً.

الشاهد: هل المرأة هي الأخرى تؤمر بصيام شهرين متتابعين؟ أو هل المرأة هي الأخرى تؤمر بإطعام ستين مسكيناً؟ فإذا قلنا: إن خطاب الذكور للذكور والإناث فسيكون مقتضى أمر النبي صلى الله عليه وسلم للرجل بصيام شهرين متتابعين أن المرأة هي الأخرى تصوم شهرين متتابعين، وإذا قلنا: إن الرجل يطعم ستين مسكيناً في حالة عدم استطاعته الصيام فالمرأة هي الأخرى تطعم ستين مسكيناً.

وهي مسألة طويلة جداً طال فيها النزاع بين العلماء، وكان من أسباب طول النزاع الوارد فيها اختلافهم في أصل المسألة: هل خطاب الذكور للذكور والإناث، أم خطاب الذكور للذكور وخطاب الإناث للإناث؟ فالذين قالوا: إن خطاب الذكور يشمل الذكور والإناث استدلوا بأدلة منها: أن الله سبحانه وتعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:١٨٣] فكُتب على الجميع.

وأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم:١٢] ولم يقل: وكانت من القانتات.

وكذلك قال: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف:٢٩] ولم يقل: كنت من الخاطئات.

فدخلت امرأة العزيز في الخاطئين، ودخلت مريم مع القانتين، فهذا بعض مستندات القائلين: إن خطاب الذكور للذكور والإناث.

وأما الذين قالوا: إن خطاب الذكور للذكور وخطاب الإناث للإناث فاستدلوا بأدلة منها: قول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات:١١] .

وبقوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} [الأحزاب:٣٥] إلى آخر الآية.

فلو كانت المسلمات داخلات في المسلمين لابتدئ بذكر: إن المسلمين والمؤمنين والقانتين والصادقين إلى آخر الآية، فهذه بعض استدلالات القائلين بأن خطاب الذكور للذكور فقط، وخطاب الإناث للإناث فقط.

وأجاب أصحاب القول الأول على هذه الاستدلالات بقولهم: إن قوله تعالى: {لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات:١١] ، من باب عطف الخاص على العام، والخاص يعطف على العام لبيان أهميته، فعطفت النساء على العام الذي هو القوم لكون السخرية في النساء أكثر منهن في الرجال، كأن تقول: جاء القوم وزيد، وزيد في الأصل جاء مع القوم، لكنك خصصت زيداً بالذكر لأهمية مجيء زيد مع القوم.

وأحسن من ذلك قول الله سبحانه: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب:٧] ، فمحمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم من النبيين، لكن نص عليهم أو خصوا بالذكر؛ لأنهم من أولو العزم من الرسل.

وكذلك قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} [النساء:١٦٣] ، هذا من باب عطف الخاص أيضاً على العام.

وكذلك قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن:٦٨] ، والنخل والرمان داخلان في الفاكهة، فكانت هذه إجابة فريق من العلماء على استدلال المستدل بقوله تعالى: {وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات:١١] ، أنه من باب عطف العام على الخاص لكثرة السخرية في الإناث.

أما إجابتهم على قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:٣٥] ، قالوا: هذه الآية نزلت لأن النساء قلن للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال الرجال يذكرون يا رسول الله! ولا نذكر؟ فنزل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ} [الأحزاب:٣٥] الآية إلى آخرها) .

وفي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة:٩] ، إذا سلمنا أن خطاب الذكور يشمل الذكور والإناث ورد إشكال شهود النساء للجمعة، لكن قد انعقد الإجماع هنا أن هذا الخطاب لا تدخل فيه النساء.

وقد نقل ابن قدامة والخطابي والنووي وغير واحد الإجماع على أن النساء لا يدخلن في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:٩] ، فالتحرير في مسألة خطاب الذكور هل هو للذكور والإناث أو هو للذكور فقط، ينبني على أن لكل خطاب ملابساته المحيطة به وقرائنه المحتفة به، وهي التي تستصدر الحكم الخاص في لكل قضية بعينها، يعني: فكل مسألة وجزئية ملابساتها الخاصة التي تستوجب قولاً من الأقوال.

فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة:٩] ، بالإجماع لا يدخل فيه النساء، فلا تجب الجمعة على النساء بالاتفاق.

وإذا شهدت المرأة الجمعة أجزأت عنها أيضاً بالاتفاق، فلا تؤمر بإعادة صلاة الظهر.

إن قال قائل: هل صح حديث في أن المرأة يعفى عنها أو لا تؤمر بحضور الجمعة؟ فالإجابة: قد وردت جملة أحاديث فيها أن الجمعة لا تجب على المرأة ولا على الصبي ولا على العبد.

إلخ، لكن يثبت من هذه الأحاديث حديث واحد.

وقال فريق من أهل العلم: إن نقل الإجماع كافٍ عن الأحاديث الضعيفة في هذا الباب.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد) وهذا عام تدخل فيه الجمعة كما تدخل فيه غيرها من الصلوات.