للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحث على النكاح في نصوص القرآن والسنة]

{وَأَنكِحُوا الأَيَامَى} [النور:٣٢] أي: زوجوا من لا زوج له، فيؤخذ منه إما الاستحباب وإما الوجوب، إذ الأمر في الغالب إما للإيجاب أو للندب، أو للإباحة في بعض الأحيان، فهل النكاح واجب أو مستحب أو مباح؟ من العلماء من قال: تنسحب عليه الأحكام الخمسة، فيجب إذا كان الشخص سيفتن في دينه إذا لم يتزوج، فحينئذٍ يجب عليه الزواج، سداً للذريعة الموصلة للفساد، وأحياناً يستحب، والأصل في هذا الباب أن الأمر بالنكاح محمول على أنه مستحب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) ولقول عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:٧٤] ولقول زكريا عليه الصلاة والسلام: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء:٨٩] .

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم) ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.

، منها: ولد صالح يدعو له) .

ولقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:٢١] ولقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف:١٨٩] ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء:١] .

ولأن النكاح سنة المرسلين عليهم الصلاة والسلام، ولقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (رد النبي صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظغون التبتل، ولو أذن له لاختصينا) ، ولقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (تزوجوا فإن خير هذه الأمة أكثرها نساءا) ، ولقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (لو لم يبق من حياتي إلا ليلة لأحببت أن يكون لي فيها زوجة) .

فكل هذه النصوص تدفع في نحر من قال إن ترك الزواج أولى، ويستدلون ببعض الأفعال مع السلف لهم فيها أحوال خاصة، ويجعلونها أصولاً، والأصل دائماً مع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا معنى لبرود شخص يقول: إن ترك النكاح أولى ويتشبث بخيوط أوهى من خيوط العنكبوت، فخير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أما العلماء الذين قالوا: إنه مباح فقط، فقالوا: إن شأن النكاح شأن الأكل والشرب والتلذذ بهما، فكما أن للشخص أن يأكل ويشرب ويتلذذ بالأكل والشرب، فله هذا أيضاً مع النكاح إن شاء ترك وإن شاء فعل، لكن النصوص الواردة: (إني مكاثر بكم الأمم) وجمعه صلى الله عليه وسلم بين تسع نسوة عنده، كل هذا يؤيد الاستحباب.

{وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} [النور:٣٢] فيها نص على استحباب تزويج أهل الصلاح.

: {مِنْ عِبَادِكُمْ} [النور:٣٢] أي: من العبيد، وقد وردت قراءة فيها ذلك (من عبيدكم) لكن الأصح: {مِنْ عِبَادِكُمْ} [النور:٣٢] والمراد بها العبيد.

{وَإِمَائِكُمْ} [النور:٣٢] الإماء: جمع أمة وهي المملوكة، أي: زوجوا العبيد والمماليك، وهل للثيب أن يزوج عبده ويجبره على الزواج؟ قال جمهور العلماء بذلك، وخالف في هذا فريق من العلماء وقالوا: ليس للثيب من مملوكه إلا الخدمة على ما ورد في الأحاديث، وهل له أن يزوج أمته؟ فقال الجمهور: له أن يزوج أمته ويجبرها على الزواج؛ لأن له فيها حق الصداق.