للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشهادة بالحق في كل الأحوال]

فالعدل به قامت السماوات والأرض، ومن ثم قال رسولنا عليه الصلاة والسلام: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد صلى الله عليه وسلم يدها، إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ} [النساء:١٣٥] أي: ولو على نفسك، {أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء:١٣٥] معنى الآية: لو أن شخصاً كان شاهداً في خصومة بين فقير وغني، فقد يطمع الشاهد في مال الغني ويقول: أشهد للغني لعله يعطيني، أو يعينني على وظيفة، والثاني بالعكس تجده يقول: لا.

الأغنياء هم كذا وكذا، فلابد أن أخرب بيوتهم، ويشهد للفقير، والله يقول: ليس ذلك من حقك {فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء:١٣٥] أي: إن كان غنياً أو فقيراً فما عليك إلا أن تشهد بالحق فقط، ليس لك أن تجامل هذا لغناه، ولا أن تعطف على هذا لفقره.

فالحقوق شيء والإصلاح شيء آخر، ففي الإصلاح بين الناس يجوز لك أن تقول للغني: يا فلان! لو تترك من حقك للفقير شيئاً قليلاً، فهذا في الإصلاح لا في الأحكام، فكل شخص في الأحكام يأخذ حقه مستوفى، فله أن يتنازل أو لا يتنازل، فهذا الشيء يرجع إليه.

قال الله تبارك وتعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا} [النساء:١٣٥] أي: إن يكن المشهود له أو المشهود عليه غنياً أو فقيراً، فالله أولى بهما منك.

{فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء:١٣٥] أي: إذا حاولت أن تؤولها بأي طريقة حتى تصل إلى مرادك وشهوتك فاعلم أن الله مطلع عليك، ومن ثم يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنكم تختصمون إليَّ، ولعلَّ بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من نار إن شاء أخذها وإن شاء تركها) فهناك أناس سحرة يسحرون بالكلام.

ومن ثم لما رمت امرأة ضرتها بحجر في بطنها، وكانت المضروبة حاملاً فسقط الحمل، فقضى النبي عليه الصلاة والسلام: أن على العاقلة غرة عبداً أو أمة، أي: عليهم أن يقوِّموا عبداً أبيض أو أمة بيضاء ويدفع القيمة للمضروبة، فجاء رجل وقال: (يا رسول الله! كيف ندي من لا شرب ولا أكل، ولا نفخ ولا استهل، فمثل ذلك يطل؟!) يعني: كيف تغرمني قيمة واحد لم يأكل ولم يشرب، ولم يتكلم، ولم يستهل، ولم يخرج من فرج أمه، فمثل ذلك يطل؟! أي: هدر، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما هذا من إخوان الكهان) ؛ لأنه يحاول بهذه الألفاظ أن يضيع الحقوق الشرعية.