تفسير قوله تعالى: (فما لكم في المنافقين سبيلاً)
خرج المنافقون للجهاد مع رسول الله في غزوة أحد أخذ ابن أبي بن سلول يخذل من خرج فرجع ومعه ثلث الجيش، فلما رجعوا مع عبد الله بن أبي حرموا ثواب الجهاد مع رسول الله، ولكن هذا الرجوع في الأصل هو من الله بسبب ما كسبوا من الذنوب.
يقول الله تعالى في سورة آل عمران: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} [آل عمران:١٥٥] ما السبب في توليهم ليس قوة ولا كثرة العدو، إنما بسبب ذنوب عملوها فكانت سبباً في فرارهم يوم أحد.
ويقول بعض العلماء: إن الرماة لما كلفهم الرسول عليه الصلاة والسلام بألا يغادروا مكانهم في الجهاد ولا يتعدوه ولزموا ذلك انتصر المسلمون أول الأمر، فلما خالف الرماة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالثبات وانقضوا على الغنيمة ودالت الدولة للمشركين فهجموا على أهل الإسلام، فقال فريق من الذين خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم: أفر خير لي من أن أقتل وأنا عاص، ففر من القتال بسبب الذنب الأول وهو عدم امتثال أمر رسول الله بالثبات في الأماكن، فجاء ذنب عقب الذنب الأول، وجاء الفرار نتيجة عدم امتثال أمر رسول الله.
وثم التماسات أخرى يلتمسها العلماء، والخلاصة: أن المعاصي سبب لزوال النعم، قال الله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:٩٦] ، وقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} [النساء:٨٨] تفيد أن الله ردهم عن الغزو مع الرسول بذنوبهم، لذلك لما قال الله لموسى وأخيه هارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه:٤٣-٤٤] بدأ موسى عليه السلام يطلب من الله أن يشرح صدره ويغفر ذنبه حتى يستطيع مجابهة هذا الظالم الأثيم.
وكذلك طائفة طالوت لما برزوا لجالوت وجنوده طلبوا من الله أن يغفر لهم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:١٤٧] فالذنب يدمر الشخص أكثر من سلاح العدو، والطاعة تقوي الشخص أكثر من السلاح اليدوي الذي في يده.
قال الله: {فَمَا لَكُمْ} [النساء:٨٨] أي: مالكم يا معشر المسلمين.
{فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء:٨٨] أي: مالكم يا معشر المسلمين في أمر المنافقين مختلفين إلى فئتين: فئة منكم -يا أهل الإيمان- تقول: نقتلهم، وفئة تقول: نتركهم.
وهذا لما عاد المسلمون بعد أحد إلى المدينة، وتشاورا في أمر من رجع عنهم في الغزوة من المنافقين، واختلفوا فيما يفعلونه بهم، فقال فريق منهم: نتركهم لعلهم يهتدون، وقال فريق آخر: بل نقتلهم؛ لأنهم خذلونا، فالله عتب على المسلمين أن يحصل الخلاف بينهم بسبب هؤلاء المنافقين.
والآية أيضاً فيها حث على الائتلاف وتوحيد الكلمة، وأن هذا الذي حصل ما كان ينبغي أن يحصل.